يتعجب الكثيرون منا مما يلاحظونه من التزامنا بالأنظمة والقوانين حينما نكون خارج المملكة بينما نتساهل في مخالفة القوانين والأنظمة المماثلة داخل المملكة، وإذا كان المثل الذي يقول «يا غريب خليك أديب» يقدم لنا إجابة جاهزة على التساؤل الذي يطرحه هذا التعجب فإن المسألة لها جوانب أخرى تتجاوز أن يكون اتباع الأنظمة والقوانين ناتجا عن الخوف من التورط في قضية تفسد على المسافر متعته بالسفر وتفرض عليه عقوبة في بلد ليس له فيها من يمكن أن يعينه ويقف إلى جانبه. وتلعب القوانين والأنظمة الصارمة والمدعومة بمراقبة شديدة تضعها موضع التنفيذ دورا كبيرا في التزام كثير منا بتلك الأنظمة والقوانين عند السفر إلى الخارج، وإذا كانت مثل تلك الأنظمة والقوانين موجودة لدينا فإن علينا ألا ننكر أن هناك افتقارا للرقابة الصارمة الكفيلة بضبط من يخالفها إضافة إلى التساهل في تطبيق العقوبات التي تنص عليها تلك القوانين والأنظمة، ولا سبيل إلى تحويل القوانين والأنظمة إلى سلوكيات وأخلاقيات بدون ممارسة مستمرة لا تغيب عنها المراقبة ولا يتم التساهل مع من يرتكبون مخالفتها. وهناك مسألة لا ينبغي لها أن تغيب عنا تتمثل في الأطر الحضارية التي تحيط بتلك القوانين والأنظمة المطبقة في البلدان في الخارج والتي تشكل مرجعية القوانين والأنظمة بحيث لا تكون المسألة مسألة نظام ومراقبة وعقوبة فحسب وإنما قيم سلوكية وحضارية متبعة في كافة جوانب الحياة وحاضرة في مختلف أنماط السلوك، فمنع رمي عقب سيجارة في الشارع يعني وجود شوارع نظيفة ووجود سلال لأعقاب السجاير ويعني وجود عمال يقومون بتنظيف تلك الشوارع وتلك السلال، وليس من السهل أن تقنع أحدا بعدم رمي أعقاب السجائر في شوارع تعج بالنفايات وتتصاعد منها الروائح الكريهة، وهذا مثال مبسط على ما يمكن أن يكون إطارا متكاملا يمكن لنا أن نقيس عليه ما يجعل تلك القوانين والأنظمة نتاجا لجملة من المنجزات الحضارية.