قبل أن تسارع إلى الإجابة: بالنفي أو الإيجاب، دعونا نسال أنفسنا هذا السؤال: إذا توفر لديك في رصيدك البنكي أكثر من 20 مليون ريال (أو إذا كنت تملك قرار لجنة العلاج بالخارج!)، فهل كنت ستستمر في الذهاب إلى مستشفى في السعودية للعلاج أو كنت ستسافر إلى أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا للعلاج؟ اعتمدت الدولة مبلغ 160 مليار ريال سعودي لقطاع الصحة والتنمية الاجتماعية في ميزانية هذا العام 2015، هذا بالإضافة إلى المبالغ الكبيرة التي تصرف على القطاع الصحي الخاص. فلماذا مع كل هذا الإنفاق على القطاع الصحي، لا نجد تزايدا في ثقة المواطن في القطاع الصحي؟ وأحد أوجه غياب ثقة المواطن في القطاع الصحي، هو إسراع المواطن «المستطيع» إلى السفر للخارج خصوصا إذا تعلق الأمر بعملية جراحية أو تدخل علاجي! أستطيع القول إن أكثر من 90% من الأمراض من الممكن علاجها في السعودية، فالإمكانيات والكفاءات متوفرة (خذ على سبيل المثال عمليات فصل التوائم أو زراعة الأعضاء أو الكفاءات العالية في عمليات قسطرة الشرايين التاجية، وغيرها وغيرها)، والمستشفيات والمراكز الطبية الممتازة متوفرة (خذ على سبيل المثال مستشفى الملك فيصل التخصصي أو بعض المدن الطبية)، والقدرة المالية والشرائية أيضا متوفرة كما ذكرت. إذا كان كل ذلك متوفرا، دعوني أعيد السؤال مرة أخرى: لماذا يسافر (أو يفضل السفر) السعوديون إلى الخارج؟! سأحاول الجواب على هذا السؤال فيما يلي: - أسباب حقيقية: لها علاقة بجودة الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات، ومراكز الرعاية الصحية الأولية، أو «تجربة المرضى» وعوائلهم داخل المراكز الطبية. من الأمور التي تؤثر سلبا أو إيجابا على تجربة المرضى ومستوى رضاهم: طول فترة الانتظار لإجراء العملية أو روية الطبيب في العيادة، وكذلك تعامل بعض الأطباء والممارسين الصحيين معهم، أو بعض موظفي الاستقبال، وعدم تفهمهم للعلاجات التي تقدم لهم. - أسباب ظنية: مبنية على «السماع» ولا علاقة لها بالواقع. وإلا فلماذا يسافر بعض السعوديين إلى دول في المنطقة (من غير ذكر أسماء!) ومستشفيات هي أضعف بكثير (نعم أضعف بكثير!) من كثير من مستشفيات المملكة؟! إذن ما هو الحل؟ الحل في وجهة نظري يكمن في توجهين: الأول: توجه فني بحت معني بتطوير الجودة الصحية وتحسين مخرجات القطاع الصحي، وكذلك العمل على تفعيل التعاون بين مقدمي الخدمة الصحية من القطاعات المختلفة تحت مظلة المجلس الصحي السعودي لتحقيق أهداف النظام الصحي وزيادة فاعليته. الثاني: توجه معني بالتركيز على «تجربة المرضى» داخل المستشفيات والمراكز الصحية وكيفية تحسين رضا المواطنين عنها. ويبدأ هذا التوجه بأن ننظر نحن الممارسين الصحيين للمرضى على أنهم أهم عنصر مكون للقطاع الصحي ونستمع إلى شكواهم بآذان صاغية وعيون مركزة على الحلول.