رغم تأكيد وزارة الصحة تطوير خدماتها في السنوات الاخيرة، إلا أن كثيرًا من المرضى في بعض المناطق لازالوا يواصلون تساؤلاتهم عن أوجه إنفاق الميزانية في ظل شكاوى مستمرة من نقص الاطباء والاستشاريين وطول المواعيد وصعوبة التحويل إلى المستشفيات الكبرى بحجة قائمة دائما فحواها عدم وجود سرير!!. وفي حين يرى بعض المرضى أن المستشفيات في المناطق الحدودية لا تحظى بالاهتمام الكافي وأنها تحوّلت إلى مقبرة للأحياء على حد زعمهم، تؤكد وزارة الصحة أنها تعمل على أكثر من محور للارتقاء بالأداء من بينها تعزيز المستشفيات بالفرق الزائرة والتوسع في عمليات اليوم الواحد ودعم الإخلاء الطبي. مستشفيات حقيقية يقول علي الزهراني من الباحة : إن المادة الحادية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم تنص على أن تُعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن بدلًا من التنقل بالمريض من دولة الى أخرى. واضاف: إن الكثيرين يعانون من نقل مرضاهم إلى الخارج من الناحية المادية والمعنوية والانتظار في ظل تعقيدات اجراءات السفر، ونتمنى ان يستمع المسؤولون لمطالبنا. اما المواطن شلاش الضبعان فيتساءل: لماذا لم نوفّر العلاج للمرضى وتركناهم يبحثون عن العلاج بالخارج وقال: يجب ان نوفّر لهم مستشفيات حقيقية، وطاقمًا طبيًا مميزًا وليس «رجيع» العاصمة والمستشفيات الكبرى. مشيرًا إلى أن غالبية مستشفيات المناطق الحدودية لا زالت تحوّل المرضى إلى الرياض بسبب نقص الامكانيات، فيما الرياض تبعد عن عاصمة الدولة المجاورة عشرة أضعاف المسافة، فأي الخيارين أفضل لدى المرضى. وأشار إلى أن بعض المزايدين -وما أكثرهم- يضعون أسبابًا وهمية للوقوف أمام بحث المواطن عن العلاج في الخارج، وهؤلاء أخطر من المسؤول لان بعضهم يقول: إن مستشفياتنا أفضل وأن السفر للعلاج ما هو الا استغفال للمواطن السعودي، والرد على مثل هذا لماذا كل من ذهب رجع إلينا إن لم يكن متعافيا فهو مادح وممتن وسفير خيرلمستشفيات الدول المجاورة. وهناك عبارة تتكرر في المناطق الحدودية (في مستشفيات الدول المجاورة أطباء بلا أجهزة، وفي مستشفياتنا أجهزة بلا أطباء)!. أين الميزانية؟ ويقول رزحان الغامدي من منطقة الباحة: إن وزارة الصحة تحظى بأكبر نصيب من الميزانية العامة للدولة، ومع ذلك الخدمات التي تقدم للمرضى لا تتلاءم مع ذلك ولذا لدي كأي مواطن عدة تساؤلات منها ما هي أوجه الصرف للميزانية ولماذا تحوّل الوزارة معظم مرضاها للعلاج خارج المملكة؟ أليس لدينا من الإمكانيات المادية والبشرية ما نشيّد به أفخم المستشفيات ذات الإمكانيات والكوادر الطبية والفنية. وتساءل: لماذا تصرّ الوزارة على ما يسمى بالتشغيل الذاتي رغم ثبوت فشله الذريع في إدارة مستشفياتنا ولماذا لا تسند إدارة مستشفياتنا للقطاع الخاص الذي أثبت نجاحه في المستشفيات التي لا تتبع وزارة الصحة؟ ويشير الغامدي إلى أن زوجته كان لديها اشتباه في ورم فأعطينا ميعادا لعمل أشعة مقطعية بعد شهر، ولما سألتهم عن السبب قالوا قبلك مواعيد كثيرة، فهل الوزارة عاجزة عن توفير جهاز آخر للمستشفى الوحيد من نوعه على مستوى المنطقة؟ ثم أعطينا موعدًا لمقابلة الطبيب بعد ثلاثة أسابيع من كتابة تقرير الأشعة، مع أن هذه العملية لا تستغرق في أي مستشفى خاص اكثر من 48 ساعة، وهذا هو السبب الذي يجعل المواطن يبحث عن العلاج خارج البلاد. ويقول ماجد الزهراني : إن الأطباء المرموقين يهربون إلى المستشفيات الخاصة ويتركون مستشفيات وزارة الصحة!. إهمال واضح ويشير على الزهراني إلى أن الكثير من المواطنين يلجأون إلى الرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين أو سمو ولي عهده أو النائب الثاني بطلب الحصول على أمر لتلقي العلاج في مستشفيات الحرس الوطني والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، بعد يأسهم من الحصول على العلاج في مستشفيات الوزارة. ويقول مطلق الضبيبي من منطقة الجوف: نعاني من الاهمال في المسستشفيات الشمالية حيث لا يوجد استشاري سعودي واحد بل اغلب الاطباء من خارج المملكة، كما نعاني من طول المواعيد والانتظار ولا بد من البحث عن الواسطة حتى نتمكن من نقل المريض الى المستشفيات الكبرى سواء عن طريق الاسعاف او الاخلاء الطبي. ويقول ان والده يرقد في المستشفى وننتظر من ينقله الى مستشفى كبيرة، وبدأنا نبحث عن الاخلاء الطبي في الاردن وتمت الموافقة الا ان ارتفاع تكلفة النقل كانت عائقا امامنا وللاسف تعاني المستشفيات بالمنطقة من قلة الكوادر من الاخصائيين والاستشاريين ولذلك نسميها مقبرة الاحياء. وناشد الجهات الرسمية توفير الخدمات الصحية من التقنية والكوادر الطبية وإنشاء مستشفيات متطورة بدلا من تنقل ابناء الجوف للبحث عن العلاج في المدن الكبرى او خارج المملكة. ويقول احمد السرحاني ان السبب في نقل المرضى الى خارج المملكة طول انتظار المواعيد بالمستشفيات الكبرى ولابد من وجود واسطة تساعدنا على النقل ويضطر الكثيرون الى اختصار الوقت والبحث عن العلاج خارج المملكة. ويضيف السرحاني ان عمته لم تجد أي اهتمام من وزارة الصحة وقمنا بنقلها على حسابنا الخاص الى الاردن بالاخلاء الطبي بتكلفة تجاوزت خمسة وسبعين الف ريال ولدينا ما يثبت من فواتير وارقام، وغالبا لا تحدث موافقة الصحة الا بعد وفاة المريض. ويقول احمد سمارة ان والده تم نقله من سكاكا الى الاردن عبر الاسعاف بصعوبة بالغة لتلقي العلاج بعد ان تعثر ذلك. ويقول عبدالعزيز الاحمد: إن والدته تم نقلها الى الاردن للعلاج لافتقار مستشفيات المنطقة الشمالية للخدمات والتقنية المتطورة والاطباء الاكفاء، وذلك لقرب المسافة وخوفا من الاخطاء الطبية في العمليات البسيطة مثل اللوز. حقوق الإنسان: المستشفيات الشمالية لا تعالج جميع الأمراض يقول الدكتور علي بن مدالله الرويشد عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان والمشرف العام على فرع الهيئة بمنطقة الجوف : إن الامكانيات في مستشفيات المنطقة الشمالية لا تعالج كل الامراض كالقسطرة وامراض الاورام، ويعاني المريض حتى يصل الى المستشفيات الكبرى اما الحالات الطارئة كالجلطات وامراض القلب فتتأخر في المستشفى الى عشرة ايام حتى تأتي الموافقة والمشكلة ليست في الاخلاء الطبي ولكن في الموافقة على السرير وكثير من الحالات تعاني عندما تعتزم السفر الى الاردن بحثا عن علاج، ويجب تطوير المستشفيات في المناطق الجنوبية والشمالية والارتقاء بها. ورفع مستوى التشغيل الى الدرجة الممتازة. ولفت الى ان غالبية الاستشاريين في هذه المستشفيات الطرفية اجانب ولا يوجد اهتمام كاف باختيارهم، ولذلك تكثر الاخطاء حتى في عمليات بسيطة مثل اللوز. الصحة: فريقان لدعم المستشفيات الشمالية.. وقوائم الانتظار موجودة بجميع الدول قال المتحدث الرسمي بوزارة الصحة الدكتور خالد المرغلاني ل «المدينة» ان وزارته كانت تعاني من بعض السلبيات في السابق، اما الان فجميع المناطق يوجد بها مستشفيات مرجعية ومراكز صحية لتقديم الخدمة المطلوبة. واكد دعم المستشفيات في المنطقة الشمالية بفريقين في علاج الجلطات يضمان استشاريين واخصائيين بجميع التخصصات، وذلك للحد من قوائم الانتظار والتحويل الى مسشتفيات المدن الكبرى. واعرب عن قناعته بان المملكة افضل دول الخليج في توفير الادوية وقلة اسعارها، مؤكدا حق المواطن في التطلع الى خدمة صحية ممتارة، واشار إلى أن المراكز الصحية يزورها في العام الواحد 55 مليون نسمة من جميع انحاء المملكة، مشيرا الى وجود برنامج متكامل لانشاء مستشفيات جديدة والتوسع في برنامج عمليات اليوم الواحد الذى حقق نجاحا جيدا . واوضح ان قوائم الانتظار موجودة في اغلب الدول ونحن غير راضين عنها، وبالنسبة للشكاوى من نقص الخدمات في المناطق الشمالية قال ان اغلب الاطباء الاردنيين الممتازين عملوا في مستشفيات المملكة التى تجرى بها العديد من العمليات كما يوجد في المنطقة حاليا فريقان للعمل في مجال امراض الجلطات يضمان استشاريين واخصائيين من جميع التخصصات. أكاديميان يحذران من الروتين ويدعوان لاستقطاب الاستشاريين السعوديين برواتب مجزية يقول الدكتور احمد الحازمي طبيب استشاري بكلية الطب بجامعة الجوف: لاحظنا منذ عشرات السنين أن عددًا من المواطنين في شمال المملكة يتوجهون إلى الخارج لطلب العلاج وخصوصًا للبلاد العربية المجاورة كالأردن ومصر وسوريا وأحيانًا لبلاد بعيدة كالهند وأوروبا. واضاف انه بسؤالهم عن الأسباب التي تدعوهم للهجرة لاحظنا التفاوت في الآراء فمنهم من ذكر أن السبب هو الروتين الممل خصوصًا في المواعيد بالمستشفيات الكبرى بالرياض وعامل الوقت والجهد وبعد المسافة ما بين الرياض والمنطقة الشمالية. والبعض ارجع السبب ايضا الى قرب المنطقة الشمالية من الأردن والحصول على التشخيص المبكر للحالة هناك. واشار الى ان الاسباب تشمل ايضا عدم توفر الكوادر المؤهلة كالأطباء المميزين في المستشفيات بالمنطقة الشمالية لان الطبيب المميز يهاجر إلى المناطق الكبرى كجدة - الرياض - الدمام، واعرب عن قناعته بأن المشكلة ترجع الى قلة الطاقم الطبي السعودي المؤهل وادارة بعض فنيي التمريض للعديد من المستشفيات على الرغم من حداثتها. واضاف ان فني التمريض يفتقد حلقة الوصل الجيدة بين الطبيب والمواطن وخصوصًا أن عددًا من الأطباء غير عرب ولا ينطقون العربية، وفي المنطقة الشمالية وقع العديد من الأطباء المتعاقدين بأخطاء طبية أودت بحياة العديد من المرضى. كما ان لجان التعاقد التي تذهب للخارج من غير المتخصصين وقد تأتي بالمتردية والنطيحة، ولا تتوفر في مستشفيات المنطقة الشمالية التخصصات الدقيقة كالأمراض الدم والروماتيزم، والجراحات الدقيقة كجراحة القلب والكلى. اما الدكتور عادل سعيد باشطح وكيل كلية التمريض بجامعة الملك سعود فقال ان السفر بحثا عن العلاج قد يبدو للبعض ظاهرة ولكني أراها امرا طبيعيا في ظل التقدم السريع في التقنية الحديثة واستخداماتها وأيضًا لرغبة الإنسان الدائمة في البحث عن الأفضل لحياته. والأمر ينقسم إلى شقين: أحدهما الإمكانات المتوفرة في القطاع الصحي في المملكة من الموارد البشرية وغير البشرية. والشق الآخر هو قناعة المواطن بوجود وفاعلية هذه الموارد. واضاف ان المتخصص والقريب من القطاع الصحي يرى قوة الدعم المالي والمعنوي من المسؤولين في الدولة لهذا القطاع، بالإضافة إلى الميزانيات المعتمدة سنويًا لخدمة المواطن. أما من ناحية الموارد البشرية فهذا يبدو مؤشرًا سلبيًا على جودة ونوعية الخدمات الصحية فالأطباء والممرضون وأصحاب التخصصات الصحية لم يصلوا إلى الحد المطلوب تغطيته لخدمة المواطن وبعض الأطباء لا يجدون أنفسهم في التطبيق السريري ويتجهون عوضًا عن ذلك إلى إدارة الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والأهلية. كما أن البعض الآخر قد يتجه إلى القطاع الخاص لوجود العرض والطلب المتزامن مع تزايد السكان أما قطاع التمريض فهو متعدد الجنسيات إلا القليل منهم من السعوديين المؤهلين وعطفًا على الموجود منهم في المستشفيات بمؤهلات معظمها من درجة الدبلوم في التمريض، نجد أن الاستقدام مازال يدعم المستشفيات والقطاع الصحي بمختلف خدماته. أما العامل الآخر والذي قد يؤثر على اتجاه المواطنين للسفر للعلاج، فهو قناعة المواطن بجودة الخدمات الصحية. ومع وجود العوامل التي تحدثنا عنها والقائمة على دعم الدولة، نجد أن المواطن قد لا يشعر بوجود هذا الدعم نتيجة لعزوف بعض الأطباء عن التطبيق وعلاج المرضى وكذلك عدم وجود ممرضين مؤهلين. وللوصول إلى الحلول التي تساهم في تقليص ظاهرة السفر للخارج للعلاج، نرى استقطاب الأطباء السعوديين المؤهلين بالرواتب والمزايا نظير عملهم بجانب المريض وتقليص هذه المزايا لمن يفضل العمل الإداري في المستشفيات. وبالنسبة للتمريض فهناك حاجة للمؤهلين من خريجي الجامعات والذين يحتاجون إلى الفرصة والدعم لخدمة الدولة مقارنة بأصحاب الدبلوم غير المؤهلين من غير السعوديين.