لم يجد مدرب الأهلي السويسري كريستيان جروس ترحيب «المجانين» المعهود للقادمين إلى ناديهم في مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، فلم يكن في تاريخ بلاده الكروي أو حتى على صعيد سيرته كمدرب ما يلفت أو يرفع من وتيرة حماس الجماهير الأهلاوية لاستقباله كما يليق، فعلى الرغم من نجاحات السويسري الأصلع مع مواطنه بازل وتوليه تدريب نادي توتنهام هوتسبيرز العريق وشتوتجارت الألماني إلا أنه لم يكن يملك كاريزما سلفه البرتغالي فيتور بيريرا الذي غادر تاركا الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. الآن وعلى بعد 6 جولات من ختام دوري جميل في نسخته الثانية تبدو الصورة مختلفة تماما، فالمدرب الذي يمضي كل وقت المباراة واقفا دون أن تبدو عليه أي ردود فعل تعكس ما بداخله غير الكثير من القناعات والانطباعات السابقة عنه، فعندما منحه صناع القرار في النادي الأهلي الصلاحيات الكاملة، وهي فلسفة متوارثة تتسم بالاحترافية الإدارية، قفز الكثيرون من مقاعدهم وهم يرونه يبعد أكثر من اسم وتحديدا الأسد الكولمبي خاييرو بالمينو، كان هؤلاء يعتقدون بأن الرجل يبحث عن سمسرة ما أسوة بمدربين كثر كانوا يبدون عدم رضاهم عن الأجانب الموجودين في قوائم أنديتهم ويقترحون أسماء بديلة يأتون بها بمعرفتهم، لكن وكما وضح لاحقا أن الرجل كان عفيفا ولم يكن يقصد ذلك، فقد منح عمر السومة قيادة المقدمة وتمسك بمصطفى الكبير لأطول فترة لقناعته بفائدته رغم أنه كان اختيار الإدارة الأهلاوية، وبالفعل انتصرت قناعته عندما فشل البديل أوزفالدو في اللحاق بقدرات لاعبي الفريق المحليين. روزنامة مزدحمة وعلى الرغم من البداية الصاعقة للفريق في انطلاقة الدوري أمام هجر إلا أن التحفظات ظلت محلها في مواجهة المدرب خاصة أنه قليل الكلام والصدام وحتى الابتسام، ولم يكن حتى القريبون منه في ملعب الأمير محمد العبدالله الفيصل باستطاعتهم التكهن بما يدور في خلد الرجل، لكن ما وضح لاحقا أنه كان يهضم في صمت كل مكونات الدوري السعودي وتقاطعاته وجياد السباق فيه وقدرات كل منافس، وقبل ذلك راجع الروزنامة فوجدها مزدحمة بالمشاركات، وجد إلى جانب الدوري، كأس خادم الحرمين الشريفين، وكأس ولي العهد، ودوري أبطال آسيا واستحقاقات المنتخب السعودي الأول الذي يضم أكثر من نصف تشكيلة فريقه الأساسية، كما عرف بخبرته أيضا أن هناك إصابات وإيقافات وتراجع مستويات فأعاد النظر في قائمته وقدر بخبرته أنه يحتاجهم جميعا وأن عليه أن يجهزهم ليصبحوا جميعا أساسيين وأن يعتمد «التدوير» لتجنيبهم الإرهاق والضغوط إن أراد أن ينجح في تجربته الأولى خارج القارة العجوز. فلسفة جديدة وظهر الأهلي مع منتصف الدور الأول من دوري جميل وكأنه بلا تشكيلة ثابتة وهو وضع لم يكن معتادا للنقاد والجماهير، فتعالت أصوات المنتقدين، إلا أنه وبعد إصابة منصور الحربي ومن ثم خلفه المصري عبدالشافي ومن ثم كامل الموسى وقدرة جروس على معالجة الوضع فنيا في كل مرة، عرف هؤلاء حكمة أن يكون بديلك جاهزا، وعلى هذا النحو وعندما توالت الإصابات على الفريق وبشكل مثير للتعجب كان الفريق قادرا على فرض حضوره بقوة بدلائه وبسياسة التدوير، وبات مألوفا أن تضم تشكيلة المدرب السويسري الأساسية لاعبا ومن ثم تفاجأ به في المدرجات في المباراة التي تليها، ليعود لدكة الاحتياط ومن ثم أساسيا مرة أخرى. تدوير وتوظيف ويبدو واضحا أن كريستيان جروس وفي فلسفة التدوير التي اعتمدها وحافظ بها على الحضور البدني والذهني للاعبيه، كان يوظف قدرات عناصره على نقاط قوة وضعف الفريق المنافس، ويشركهم على هذا النحو وهو ما وضح في حركة تبديلاته من مباراة لأخرى، ومن مسابقة لأخرى، ساعد على ذلك قدرة هذا المدرب الداهية على قراءة خصومه بعد الشوط الأول ووضع روشتة فنية تمكن لاعبيه من مصادرة الشوط الثاني بالكامل أي كانت إمكانات الفريق المقابل وهو ما تأكد في أكثر من مناسبة. 18 نقطة مهمة والآن يعرف المدرب السويسري أن خلاصة هذا العمل الرائع هو أن يمضي بالفريق المتعطش للدوري حتى نهاية النفق عبر جولات تبدو أصعب وليس كما يدعي البعض بأنها أمام فرق الوسط والمؤخرة فهذه الفرق مهددة وغريزة البقاء عادة ما تكون أقوى، والجميل أنه يعرف ذلك عندما قال بأن الفوز على النصر لم يحقق الدوري، وما يحققه «عمليا» أن يستمر الفريق الأهلاوي في الجولات المتبقية بلا خسارة أو تعادلات.