مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 11597 نقطة    الصبّان رئيس اتحاد التايكوندو المكلّف: المرحلة انتقالية والمسؤولية مضاعفة وتضافر الجهود مطلب    أمانة الشرقية وجمعية بناء لرعاية الأيتام يناقشان سبل التعاون المشترك    في جدة.. إثارة الفورمولا 1 تعود على أسرع حلبة شوارع في العالم    الهيئة الوطنية للأمن السيبراني تنظم النسخة الخامسة من المنتدى الدولي للأمن السيبراني أكتوبر المقبل    وزارة البلديات وأمانة الشرقية و وبرنامج الأمم المتحدة يطلعون على مبادرات التطوير والتحول البلدي    توقيع اتفاقية تعاون بين أرامكو السعودية ومركز نمو للتعلم لإطلاق برنامج "واحة الابتكار"    الصحة القابضة والتجمعات الصحية يحصدون 8 جوائز في معرض جنيف الدولي للاختراعات    جمعية مرفأ للخدمات الأسرية بجازان تستقبل مفوض إفتاء عسير    جامعة الملك سعود توقع اتفاقيات عالمية خلال مشاركتها في مؤتمر مبادرة القدرات البشرية    الخريف : نسعى لتمكين الشباب وإكسابهم المهارات اللازمة لوظائف المستقبل في الصناعة والتعدين    ترخيص 71 منصةً عقاريةً إلكترونية    وزارة المالية تُطلق برنامج الرقابة الذاتية    محافظ الطائف يشارك لاعبي المنتخب السعودي تحت 17 سنة فرحتهم بالتأهل إلى نصف نهائي كأس آسيا 2025    لعل وعسى    قصّة لَوحة.. لكن من غَزة    رواية حقيقية من الزمن الماضي    الحماد توجت الجامعات الفائزة...طالبات جامعة الملك سعود يُتوجن بكاراتيه الجامعات    في جلسة وزارية خلال المؤتمر.. وزير التعليم يعلن:تأسيس مؤسسة وطنية لإعداد المعلمين    300 شركة في ملتقى الأعمال السعودي المصري بالقاهرة و (4) اتفاقيات تجارية    غوتيريش يدين الهجمات على مخيمات النازحين غربي السودان    أمير تبوك يقلد مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة رتبته الجديدة    أمّ القرى ترتقي بمنجزاتها على منصّات التتويج الدولية 2025    أمانة الطائف تحوّل موقع مهمل إلى رئة جمالية جديدة .    تجمع الباحة الصحي يشارك في قافلة التنمية الرقمية    فريق طبي ب "تجمع الباحة الصحي" يشخّص حالة طبية نادرة عالميًا    "صحة القريات" تستدعي وافدة ظهرت في إعلان مرئي مخالف    أمانة جدة تصادر 30 طنًا من الفواكه والخضروات    تعرف على المنتخبات المشاركة في كأس العالم تحت 17 عاماً FIFA قطر 2025TM    ب 850 مليون يورو.. رونالدو علامة تجارية قياسية    لبنان دولة واحدة تمتلك قرار السلم والحرب    اجتماع أمني رفيع بين العراق وتركيا لبحث التنسيق الأمني    ضغط عسكري متزايد على آخر معقل للجيش في دارفور.. الدعم السريع يصعد في الفاشر ويستهدف مخيمات النازحين    التعامل مع الأفكار السلبية.. تحرير العقل وكسر قيود الذات    السعودية تحصد الجائزة الكبرى في معرض الاختراعات.. وزير التعليم: القيادة الرشيدة حريصة على رعاية التعليم والمواهب الوطنية    لكل المشكلات في القرآن كل الحلول    في انطلاق الجولة29 من" يلو".. النجمة للمحافظة على الوصافة.. والطائي للتعويض    الزامل مستشاراً في رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توقع مذكرة مع جامعة الملك خالد    وقفات مع الحج والعمرة    أسرة العساكر تحتفي بزواج خالد    مدير فرع الهلال الأحمر يستقبل مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتوحد" و "عش بصحة"    "ترند" الباراسيتامول يجتاح أمريكا وأوربا    مؤتمر لتحسين جودة الحياة الأحد المقبل    رابطة العالم الإسلامي تدين قصف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى المعمداني بغزة    أمير الرياض يستقبل محافظ الخرج    الأردن تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين في مدينة الفاشر بالسودان    الأخضر السعودي تحت 17 عاماً يتأهل إلى نصف نهائي كأس آسيا على حساب منتخب اليابان    جامعة جازان تستضيف ندوة "الإفتاء والشباب" لتوعية الجيل بأهمية الفتوى    قصف خامس يضرب مصحات غزة    شيخ علكم إلى رحمة الله    السعودية تدين وتستنكر الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر وأسفرت عن عدد من القتلى و الجرحى    إطلاق 25 كائنًا فطريًا في محمية الإمام تركي بن عبدالله    توطين 25 كائنًا فطريًا مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهامي الذي يحب الكتب
نشر في عكاظ يوم 22 - 03 - 2015

ذكرت الثرثارة التشيلية الفاتنة إيزابيل الليندي في كتابها الأليم «باولا» أنها عاشت في بيت مليء بالمشاكل مما أدى إلى انفصال والديها في وقت مبكر، فعاشت في بيت جدها لأمها، والذي كان مجرد النطق باسم والدها فيه من المحرمات!
ذكرت أن قبو بيت جدها مرمى لكل الخردوات، والأثاث المكسر، وجميع الأشياء التي لا حاجة لبقائها في المنزل وكان مكانا موحشا حتى إن الخادمات يخشين النزول إليه خوفا من الأشباح.
وحتى تحطم هذا الرعب الذي تولد في نفسها نزلت إلى القبو يوما بحثا عن الأشباح، لكنها لم تجد أشباحا ولكن وجدت من ضمن الأشياء التي هناك صندوقا منقوشا عليه الحروف الأولى من اسم والدها فتحته فكان به مجموعة من الكتب القيمة، قالت عن ذلك الصندوق فيما بعد:
«إنه ميراث خرافي أضاء سنوات طفولتي»*
***
أبي رحمه الله يتقاطع مع والد هذه التشيلية أيضا في هذا الإرث، لقد ترك لي ميراثا خرافيا أضاء سنوات حياتي بأكملها، وليس طفولتي فقط.
في طفولتي كان أبي يحمل لي القصص والحكايات وأنا بعد لم أدخل المدرسة، وأنا بعد لم أتعرف على الحروف، ولكن الشيء المثير لي في تلك المرحلة هو تلك الكتب المصورة التي تثير دهشتي وتربطني بنوع من الصداقة مع شخصياتها وأبطالها.
كم من مرة أستيقظ صباحا وأجد تحت «مخدتي» مجلة السندباد أو علاء الدين أو مجلة ماجد.
كان أبي حرصا أن يكون بيني وبين الكتاب علاقة وطيدة قبل أن أدخل المدرسة!
***
بعد أن دخلت المدرسة وتعلمت القراءة والكتابة انتقل إلى طريقة أخرى من طرق التحفيز وهي المكافأة على القراءة فقد كان يقول لنا: «من يقرأ كتاب كذا فله كذا وكذا من الريالات»..
وفعلا يكون عند وعده.
طبعا كان يراعي نوع الكتاب الذي نقرأه أن يناسب المرحلة التي كنا فيها.
ولم يكن يتردد في إعطاء المال عندما تكون السلعة كتابا!
ثم سلك أبي طريقة ثالثة وهي نفس الطريقة السابقة غير أنه كان يختبر معلوماتنا بعد القراءة بسؤال أو سؤالين.
وفي كل مرحلة من مراحل القراءة تقل الصور والرسومات في الكتب وتكثر الكلمات والمعلومات.
كانت هذه طريقة أبي حتى نهاية المرحلة الابتدائية.
حينها كنت أحب الكتب، ولم أحب القراءة بعد!
ذات مرة سمع أبي أن المدرسة افتتحت مكتبة، فكان أبي من الداعمين لتلك المكتبة.
كنت أرى بعض كتبي وقصصي في أيدي الطلاب وكنت أشعر بغيرة شديدة، والسبب أن هناك علاقة وصلة مع هذه الكتب حتى وإن لم أكن قارئا..
عندما وصلت المرحلة المتوسطة، توقف أبي عن هذه الطرق، خلع أبواب خزانات الكتب، والتي كانت مغلقة في السابق، نزع تلك الأبواب وترك المكتبة مشرعة.
الكتب حيوات، والمكتبة عالم، النظر إلى المكتبة يجلو البصر، ويبعث نوعا من البهجة، لها منظر ساحر يدفع الجميع لمعرفة محتواها وأسرارها، كل كتاب من الكتب، وكل عنوان من العناوين بوابة إلى عالم مستقل بذاته.
أبي نجح في جمع مواد مكتبته، حيث اشتملت على جميع العلوم والمعارف وكتابها من جميع أقطار العالم، عرب وعجم متقدمين ومتأخرين.
لم أر في حياتي مكتبة مثل مكتبة والدي ليس في كثرة الكتب ولكن في تنوع محتواها كانت حديقة غناء، التنزه فيها لا يمل أبدا.
***
في أواخر المرحلة المتوسطة، كانت تنتابني لحظات اكتئاب مرعبة، أذكر أن فراشي الذي كنت أنام عليه كان بجوار المكتبة تماما، ذات مساء كئيب، جلست، أسندت ظهري على الكتب، مددت رجلي للفراغ السحيق، ثم كانت تلك اللحظة الفارقة، ذلك المنعطف العظيم الذي أتذكره دائما، اتكأت يدي على رف المكتبة المغبر، ثم وقعت يدي على كتاب، سحبته كان عنوانه «سطور مع العظماء» لمحمد كامل المحامي كان ذلك في مساء يوم من أيام عام 1992م.
أتذكر تلك اللحظة التي بعدها أصبحت قارئا نهما، لدرجة أن أبي أصبح يخشى على تحصيلي الدراسي بسبب القراءة، بعد ربع قرن من تلك اللحظة أصبحت كاتبا، وأصبح أبي يقرأ لي/ له لا فرق.
ساهمنا أنا وأبي في توسيع المكتبة، والحرص على الاختيارات، وكان له اهتمامات مختلفة عن اهتماماتي ساهم هذا في إثراء المكتبة، لدرجة أنها أصبحت مقصدا لكثير من الباحثين، وطلبة العلم، وبعض الأكاديميين.
تمر الأيام تتوسع المكتبة، يستغرب العامة، يكرر أبي عبارته الخالدة «المال يذهب، والكتب تبقى».. نعم تبقى لنا، وتبقى للأجيال القادمة بعد رحيلنا.
***
أتذكر قبل وفاته بيوم تحدث عن المكتبة، أن نحافظ عليها، أن نجعلها للقراء إذا أرادوا أن يستعيروا، ثم صمت، وبدأ يتحدث عن إدريس ومعراجه العظيم نحو السماء.
ترك أبي بعد رحيله كتبا مخطوطة، كانت مشاريع أبي مؤجلة، وأتصور أن السبب رغبته أن يكون منحازا للقراء، بعيدا عن محاولة التأليف، لهول مسألة الكتابة في نظره رحمه الله.
أبي ترك الحياة، وخلف مكتبة، وغرس في كثير من أحبابه وأقاربه حب القراءة، وتقدير الكتاب، وهذا عمل إنساني عظيم، لا أتصور جلالة قدره وعظيم أثره..
***
«الآن وبعد أكثر من أربعين عاما من الاحتراق بنار الكتب اللذيذة،
ما زلت أتلفت حولي كلما أنهيت كتابا ما، فلا أجد أحدا..
فأضم جسدي بيدي مغمضا عيني، متخيلا عناق أبي لي.
أمشي بهدوء أمام رفوف مكتبة عامة أو خاصة،
ألمس الكتب بيدي، أو عيني؛
فأرى في الزاوية أبا ثمانينيا يعانق كهلا أربعينيا» **
_____________
*باولا، إيزابيل الليندي.
**خطأ النادل، زياد خداش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.