اعتبر معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، لدى استقباله الأمراء والعلماء وأعضاء مجلس الشورى، في 19 جمادى الماضي، خطابا تاريخيا، تناول فيه مختلف الجوانب في سياسة المملكة ومنهجها الذي تسير عليه. وأوضح الدكتور التركي، أنه ليس بمستغرب على قادة المملكة، الذين نذروا أنفسهم منذ تأسيسها لخدمة الدين والوطن والشعب والأمة. وقال معاليه معقبا: «كل من يعرف سيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتجاربه الطويلة وخدمته للمملكة وشعبها وإنسانيته النادرة لا يستغرب ذلك؛ ثقافة أصيلة، ورؤية عميقة، ومتابعة للأحداث الوطنية والإقليمية والعالمية متميزة، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن وعهد أبناء الملوك السابقين». وأضاف الدكتور التركي: «ندرك ذلك ونحن طلاب في التعليم العام ثم التعليم الجامعي، وتعمق بالنسبة لي وزملائي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يوماً بعد يوم في مجالات العمل، ورعاية المؤتمرات، وحفلات تخرج الطلاب، ومقابلة الوفود، وكلما واجهتنا مشكلة لجأنا إلى الله ثم إليه في حلها، وبخاصة أننا في العاصمة العريقة الرياض، ملتقى العرب والمسلمين، والعالم، وهو أميرها آنذاك مع أبنائها صغيرهم وكبيرهم، ومع قضاياها ومتطلباتها يوما بيوم، مما جعل لها مكانة متميزة، ويدرك ذلك غيرنا من العاملين في الوزارات والجامعات والمؤسسات في الرياض ويدركه أبناؤها، وأبناء المناطق الأخرى، وغيرهم ممن يفد إليها». كأحد كبار علماء المملكة والأمة الإسلامية القريبين من خادم الحرمين الشريفين منذ سنوات طويلة.. كيف يقرأ معاليكم تاريخ المملكة، قادتها وعلماءها ووجهاءها، وأحداثها في ذاكرة الملك سلمان بكل تفاصيلها.. خصوصا أن خطاب الملك سلمان الأخير كان شاملا يستشرف المستقبل؟ من يعرف ذلك في شخصية الملك سلمان ومسيرته لا يستغرب هذا الخطاب الشامل، وهذا اللقاء المتميز، ولا يستغرب غيره من المحاضرات، والاجتماعات مع الأكاديميين والمتخصصين، والمقابلات مع الإعلاميين، وتبادل الرأي والمشورة مع العلماء وأهل الرأي. وإن أعظم نعم الله علينا في المملكة نعمة الإسلام، فهماً صحيحاً له، وتمسكاً به، وتطبيقاً لشريعته، قيادةً ومسؤولين وشعبا، وكون ملوكنا معنا في مختلف شؤوننا أبوابهم مفتوحة، وأوقاتهم كلها لخدمة الشعب والوطن. وذلك ما يفرض علينا شكر هذه النعم، وتعميق هذه الخصوصيات والمزايا في أذهان ناشئتنا، والتركيز على وحدة الكلمة، والسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرنا، وأخذ العبرة مما يحدث حولنا. إن المملكة العربية السعودية الدولة الإسلامية المتميزة في هذا العصر، الذي ابتعدت فيه عامة الدول الإسلامية عن العمل بالإسلام، عملاً حقيقياً يتوافق مع رسالته وأهدافه في تحقيق العبودية لله في الناس، والخضوع لأحكامه، والسير على المنهاج الذي سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم. خبرات متراكمة من خلال متابعة للملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا، فإن له نظرة ثاقبة لمجريات الأحداث.. كيف يقرأ معاليكم تلك الرؤية منذ أن أميرا لمنطقة الرياض؟ تركزت متابعة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمجريات الأحداث العالمية، على المحيط العربي والإسلامي، وما يحدق به من تحديات ويتفاعل فيه من قضايا، انطلاقاً من الروابط الدينية والإقليمية والقومية، التي تربط المملكة العربية السعودية بدول هذا المحيط وشعوبه. وفي مجال إدارة الشأن العام، خاض الملك سلمان، أيده الله وسدده، تجربة عظيمة وبخاصة في إمارة الرياض، أكبر منطقة وأهمها في المملكة، حيث يكون العمل في تشعباته ومتطلباته وصلته بأصناف الناس والشؤون العامة. وهذه الخبرات المتراكمة التي تجمعت من سيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز الحافلة بالنشاط الدؤوب، كوَّنت لديه رصيداً ضخماً في قيادة المملكة بكفاية واقتدار، وفي اختيار من يستعين بهم من الرجال الأكفياء من ذوي الخبرة الكافية والمراس الجيد، لتحقيق المزيد من الازدهار، ومواجهة التحديات الجديدة التي أفرزتها الاهتزازات التي أصابت عدداً من الدول العربية والإسلامية، واستغلتها بعض الجهات الطائفية، أملاً منها في تحقيق أطماعها وبسط نفوذها، وتطويع الأمة لرغباتها وتوجهاتها، بدلاً مما يوجب عليها انتماؤها الإسلامي، من التعاون على توحيد الصف وحل المشكلات، وتوفير الظروف الملائمة للنهوض بالعالم العربي والإسلامي، وحسن استثمار طاقته المادية والبشرية، في علاقات من الشراكة والتعاون، والبحث في أمثل السبل للتعاون مع العالم المتقد، للاستفادة مما وصل إليه من الإنجازات. قدرات متميزة ذكرتم أن الأمة الإسلامية والعالم يمرون بمشكلات كثيرة، والملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، معروف بقدراته في حل كثير من المشكلات.. بماذا تتحدثون عن ذلك؟ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، سليل أسرة عريقة في التاريخ، أصيلة في القيم، نذرت نفسها لخدمة دينها وأمتها. والملك سلمان، متابع بدقة لمسيرة أسرته الكريمة، وإنجازاتها، وسلامة منهجها مما يزيد آمال أبناء المملكة، بل العرب والمسلمين كافة، في تطلعاتهم إلى خروج العرب والمسلمين من كثير من المشكلات والتحديات التي تواجهه. والسعوديون والعرب والمسلمون تتوفر لديهم قدرات متميزة في مختلف المجالات لدراسة تلك المشكلات والوصول إلى الحلول العملية، وهم في أمس الحاجة إلى القيادة الواعية الحكيمة المتابعة للأحداث إقليمياً وعالمياً، وهي بفضل الله ونعمته متوفرة في أجلى صورها في مليكنا وولي أمرنا الغالي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أعانه الله ووفقه لكل خير، مما يوجب علينا بذل المزيد من الجهد والتعاون والالتفاف حول قيادته الكريمة، وتقديم النصح والمشورة والآراء النافعة، فبابه مفتوح، وخطاباته وتوجيهاته في مختلف المناسبات تؤكد على ذلك، اتباعاً لمنهج والده المؤسس الملك عبد العزيز، رحمه الله وأجزل مثوبته، ومن خلفه من أبنائه البررة، رحمهم الله. وهي فرصة للعرب والمسلمين قادةً وعلماء وشعوبا، لمزيد من التعاون مع المملكة العربية السعودية، دولة العرب والمسلمين، فالعرب منطلقهم هذه البلاد، والإسلام نزل فيها، ونبيه الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام. أسأل الله تعالى أن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لمواصلة السير بالمملكة في طريق الازدهار، وتحقيق الرفاهية لأبنائها، والمحافظة على التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتطبيق الشريعة، وخدمة الحرمين الشريفين، والتعريف بالإسلام والدفاع عن صورته الصحيحة، والريادة في التعاون العربي والإسلامي والعالمي، ونصرة قضايا الأمة العادلة. نمو الوعي في نظركم، كيف استطاعت المملكة الوقاية من سوء أحوال كثير من الدول والمجتمعات الإسلامية التي عاشت في فتن واضطرابات وترد للأوضاع والعصبيات، خصوصا أنه تبين للمسلمين صحة النهج الذي اتبعته المملكة؟ في ظل ما حصل من نمو الوعي الديني العام بين المسلمين، نتيجة انتشار التعليم، وتوفر الكثير من أمهات المصادر بين أيدي الناس، في مختلف العلوم الشرعية، وبخاصة علوم الحديث والعقيدة والشريعة، تراجعت تلك التعصبات وضعفت شوكتها وتأثيرها. إذ تبين للناس أن ما تنتهجه المملكة ويدعو إليه علماؤها، ليس شيئاً مخترعا ولا مبتدعا، بل هو عين الاتباع لسلف الأمة وأئمتها المقتدى بهم، والعمل على تجديد الدين، والتمسك به على ضوء هديهم وسنتهم. واليوم وقد تولى قيادة المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، أيده الله ونصر به دينه، فرح أبناء المملكة، بل المسلمون في كل مكان، فرحاً غامراً من استمرار الشجرة السعودية المباركة، تمد شعب المملكة برجالها الأفذاذ، وبسط أبناؤها أيديهم بالبشر والأمل، يتقدمهم أهل الحل والعقد، بمبايعة الملك سلمان على السمع والطاعة. فلتهنأ المملكة بقائدها، وليعظم أمل أبنائها فيه لما حباه الله به من المآثر الطيبة، والخصال الحميدة، والشيم السامية، والثقافة الواسعة التي أكسبته اطلاعاً وافياً، ومعرفةً مستوعبة بالتركيبة الاجتماعية للشعب السعودي وما يتحكم في علاقاته من أعراف وعوامل ثقافية، ومتابعة مستمرة لما يدور في المحيط العربي والعالمي، من قضايا وتفاعلات في شؤون السياسة والاقتصاد والإعلام والأمن، مما كوَّن لديه دراية وفهماً لمجريات الأمور، ووضوحاً في الرؤية. التحديات والصمود المملكة صمدت في مواجهة التحديات سابقا وتصمد أمامها حاليا وأدى ذلك لوحدة الوطن والتنمية الشاملة التي تشهدها.. لرجل صاحب رؤية استراتيجية، بماذا تعلقون على ذلك؟ وكيف يمكن مواجهة تلك التحديات؟ صمدت المملكة في مواجهة تحديات الأمس، فإنها مستمرة، بإذن الله، في صمودها في وجه التحديات التي أفرزتها الظروف الدولية والإقليمية عربيا وإسلاميا، ما دام أبناؤها يمتلكون من الوعي ما يدركون به أهمية الولاء للقيادة والالتفاف حولها، في المحافظة على اجتماع الكلمة ووحدة الوطن وأمنه واستقراره، والاستمرار به في اتجاه المزيد من الازدهار والتنمية الشاملة لمختلف المجالات، والتي تحقق منها ما تحقق بسرعة قياسية. والفضل في ذلك لله تعالى الذي أنعم على بلادنا بقيادة رشيدة، حريصة على دينها ووطنها، قريبة من شعبها بالمودة والرحمة والاهتمام بمختلف طبقاته، تستشير ذوي الحنكة والخبرة، وتستعين في بناء الوطن وتسيير مؤسساته، بكل من تتوخى فيه الكفاية والأمانة. وما يتمتع به شعب المملكة من المتانة والتجانس في النسيج الاجتماعي، والوحدة في المرجعية الدينية والثقافية، يعتبر درعاً في تحقيق السلم المدني والاجتماعي، والوقاية من الصراع والتصدعات التي أفرزتها التيارات الفكرية والسياسية والنزعات العرقية والمذهبية والطائفية، في العديد من البلاد العربية والإسلامية، مما كان له أثره على تأخر التنمية الاقتصادية والمدنية. ومن أهم ما نواجه به التحديات التي تتربص ببلادنا العزيزة، وبما حباها الله به من النعم السابقة، أن نحرص على التمسك بالأسس التي قامت عليها المملكة ولا تزال تسير عليها، بتوفيق الله تعالى، ونرسخ في أبنائنا الوعي بأهمية تلك الأسس، وندافع عنها في وجه من يحاول أن يزعزع الثقة بها. فإن بهذه الأسس نجحت المملكة في المحافظة على الأمن الفكري وتماسك النسيج الاجتماعي في شعبها، واكتسبت مكانتها الرائدة في العالم العربي والمحيط الإسلامي، وسماع صوتها واحترام مواقفها في المحافل الدولية والسياسة العالمية. والمكانة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تتميز بها المملكة إقليمياً وعربياً وإسلامياً، وما تبذله من جهود في المحافظة على الأمن والاستقرار العربي، ودعم التعاون الإسلامي، ونصرة قضايا الأمة العادلة. كل ذلك يجعل الدفاع عن مكانتها والتعاون معها في مواقفها، وفي صد التحديات الخارجية التي تستهدفها، مسؤولية عربية وإسلامية.