مهلا، لم أخطئ في كتابة المثل ولكني أردت فقط جذب انتباهكم لتتساءلوا معي: لماذا لم تقل العرب (كل فتى بأمه معجب) وقالت (كل فتاة بأبيها معجبة)؟ هل كانت العرب تؤمن بفكرة فرويد حتى قبل أن يظهر للناس ويعلن لهم فكرته بقرون طويلة؟ أم أن الأمهات لا شيء فيهن يدعو إلى الإعجاب؟!! (كل فتاة بأبيها معجبة) هذا المثل الذي يتداوله كثيرون، حاله حال كثير من الأمثال غيره يصلح ليستنبط منه نوع ثقافة المجتمع التي صنعته وما تتضمنه من القيم وما تنطوي عليه من الأفكار السائدة بين الناس، أو غير ذلك من الاستنتاجات التي تكشف عن طبيعة الحياة في عصر المثل وبيئته. والمثل السابق ورد في كتاب الأمثال للآمدي. وتتلخص قصته في أن بضع فتيات خرجن للتنزه في ساعة صافية من الليل وأخذن يتسامرن بالتساؤل حول من يكون أفضل النساء وأفضل الرجال؟ فذكرت كل واحدة منهن رأيها في صفات الفضل للمرأة وصفات الفضل للرجل، فكان من صفات الفضل التي عددنها في المرأة: (الجمال وحداثة السن والحياء وخفض الصوت وكثرة الإنجاب والطاعة والصبر على الأذى)، أما صفات الفضل في الرجل فكان منها: (السخاء والكرم والشجاعة ورفعة المكانة وحمل المسؤولية وحسن الخلق). ما يلفت النظر في قصة هذا المثل أن الفتيات حين أخذن يذكرن صفات الفضل في النساء ذكرنها منسوبة للمرأة بصفة عامة، أما حين أخذن يعددن صفات الفضل في الرجال، فإن كل واحدة منهن ذكرتها منسوبة إلى أبيها متباهية به، تراه هو الأفضل من بين الرجال جميعا!! فلماذا؟ لماذا لم تتذكر الفتيات أمهاتهن عند تعداد صفات الفضل كما تذكرن آباءهن؟ هل هذا يعني أن الأمهات لا شيء فيهن يدفع إلى التباهي بهن؟ الآباء يتباهى بهم للسخاء والشجاعة والقوة والسيادة وغيرها من صفات الفضل السامية التي عادة تقصر على الرجال وتكون موضعا للتباهي، أما الأمهات فماذا لديهن؟!! صفات الفضل التي تقصر على النساء، ليست من الصفات التي تبعث على التباهي، فالنساء يتفاضلن فيما بينهن بالجمال وحداثة السن وشدة الخجل وخفض الصوت والطاعة والصبر على الأذى، ولا شيء من تلك الصفات يصلح لأن يكون موضعا للتباهي، فلأي شيء يمكن التباهي بالأمهات؟! من الواضح أن القصة مصنوعة بيد رجل، رجل لا يذكر من النساء سوى (الأنثى) التي يرغب أن تشبع غرائزه وتخضع له ويمكنه التحكم فيها وتوجيهها كيفما يشاء.