أبها – سارة القحطاني آل مسبل: الحجاب يجب أن يحقق مقاصد الشرع ومخالفته إثم. العويد: الزينة المحرمة لا يجوز بيعها أو شراؤها إلا للتزين للزوج. الأسمري: نتابع الأسواق ونتعامل بوعي مع ما يسيء للدين. المنصور: المبالغة في الاهتمام بالمظهر تحتاج إلى احتواء وعلاج. الغامدي: تفريط المرأة في الحجاب يحرمها من «حكمته وفضله». تبدو التصميمات المستحدثة من العباءات النسائية مثيرة لتساؤلات باتت تقليدية من فرط ما طرحت، لكن اعتيادها لا يعني تجاهلها. فكثير من الفتيات أصبحن يبحثن عن شيء جديد دائماً، يلفت إليهن الأنظار، ويجلب لأسماعهن عبارات ثناء وإعجاب يفتقدنها في محيطهن الأسري، في حالة لم تكن منتشرة بهذا المستوى من قبل. وتشعر أمهات بالقلق إزاء هذا التفلت من ربقة الدين والعرف. فإزاء بريق الخيوط الفضية والذهبية، وتزايد الاهتمام بالتفاصيل التي تظهر تقاسيم الجسد، زاد الشعور بأن هناك شيئاً ما يحتاج إلى مراجعة وعلاج. ومازالت المسافات تتباعد بين معايير الحجاب الشرعي وبين المتاح في الأسواق من عباءات باتت تعرفها البنات بمسميات مختلفة، كالخفاش والفراشة والسمكة والمغربية والجالكسي والسبورتيف والحزام والدولفين، وغيرها من تسميات تعكس حجم التنوع في التصميم وما يعتريه من إضافات وزوائد ونقوش وألوان، وكأن المسألة باتت سباقاً لإظهار التميز ولفت الأنظار. وبينما يرى الشرع أن للحجاب شروطاً لا يجوز تجاوزها، يؤكد أطباء نفسيون أن بعض المراحل العمرية تصاحبها تطورات تتطلب تعاملاً ذكياً لضمان الاحتواء. فيما تتابع هيئة الأمر بالمعروف تلك المستجدات، وتتدارس تأثيرها على السلوكيات المرعية. أما التجارة فلم يبد منها ما يشير إلى اهتمامها بالأمر. مؤجلات! عن ذلك، تقول مهرة العبيدي إن ما يهم كثيراً من النساء الآن هو جذب الأنظار ولفت الانتباه، أما تحقيق الهدف من مشروعية الحجاب فقد أصبح ضمن الأمور المؤجلة في حياتهن التي لم يقررن بعد متى سيطبقنها. وتضيف لا أعتقد بأن هناك فرقاً بين عباءات الرأس والكتف أو العباءات المزخرفة والسادة فهي بالنهاية للتغطية لا أكثر. جدل مستمر ويبدو أن الطراز الحالي من العباءات لا يبهج كثيراً من كبيرات السن من الأمهات، فهن وبناتهن في جدال لا يتوقف. وفي هذا الصدد تقول أم تهاني إن المرأة في السابق كانت حريصة على أن لا يظهر منها شيء، بعكس ما نراه الآن، فالفتاة تكاد لا تخفي شيئاً من الوجه وأصبحت (اللثمة) وبعض الأنقبة تظهر من الوجه أكثر مما تخفي، ربما لجذب الرجال ولفت انتباههن. وتتساءل ما الهدف من ذلك؟ وتُسلِّم أم خلود بعدم جدوى مناصحة الأمهات للفتيات. وترى أن أغلب الأمهات استسلمن لرغبات فتياتهن وأصبحن يشاركنهن الاختيار في الملائم لأجسادهن! وتقول إن بعض الأمهات الصغيرات في السن أصبحن ينافسن فتياتهن أيضاً على آخر موديلات العباءات وأنواع اللثم والأنقبة المختلفة. الاحتكام للشريعة ويؤكد عضو لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى الدكتور عازب آل مسبل أن مخاطبة المرأة المسلمة بشأن هذه العباءات يجب أن تستند إلى نصوص الشريعة، ومن ذلك قول المولى -عز وجل- «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن»، وقوله سبحانه وتعالى «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى». ويشير إلى أن الحجاب فريضة؛ حيث قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهي تتحدث عن صفوان بن المعطل «كان يعرفني قبل فرض الحجاب». فالواجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بنصوص الشرع المطهر وتقدمه على ما سواها وهذه العباءات زينة يجب سترها، فالقصد من العباءة أن تكون ساترة لزينة المرأة حال احتياجها للخروج وهذا محل اتفاق عند أهل العلم، كما يتفقون على وجوب ستر الوجه حال الفتنة. تحقيق مقاصد الشرع ويقول إن على المرأة ألا تشتري من العباءات إلا ما يحقق مقاصد الشرع التي سبقت الإشارة إليها. أما ما يعرض في الأسواق من هذه العباءات فهو كغيره من السلع المعروضة التي تخضع لأنظمة وزارة التجارة، لكن الأمر يرجع إلى المشتري لهذه السلعة ومدى التزامه بأحكام الشرع ووقوفه عند حدوده فيجب أن لا يشتري ما يعلم أن فيه مخالفة لأحكام الشريعة؛ فاللباس ما اهتم به الشارع حلاً وحرمة وإباحة وكراهية. وعن مدى حل الثمن لتجار العباءات من عدمه، يقول آل مسبل لا يصح القول به حتى يتأكد من أن هذه العباءات مخالفة لمراد الشارع. فالكل يعلم أن البائع للعنب يأثم إذا علم أن الذي اشتراه يصنع منه خمراً فالوسائل تأخذ حكم الغايات. والقاعدة الشرعية الأخرى تقول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والواجب هنا هو ستر زينة المرأة وتغطيتها وهو أمر لا يتم إلا بعباءة ساترة للزينة تتوفر فيها شروط العباءة الشرعية، وأدعو الجميع إلى تقوى الله -عز وجل- وإعانة المرأة على الالتزام بالحشمة. زينة محرمة ويتحدث الشيخ عصام العويد عن حكم لبس الأنقبة التي ظهرت حديثاً، فيقول إن ذلك يعتبر من الزينة المحرمة ولا يجوز بيعها أو شراؤها إلا لمن تتزين لزوجها فقط. ويشير إلى أن من شروط الحجاب أن يكون ساتراً لجميع البدن، وثخينا لا يشف عما تحته، وفضفاضا، ولا يكون مزينا يلفت أنظار الرجال، ولا يكون من لباس الشهرة ولا يشبه لباس الرجال أو الكافرات. متابعة واعية ويبين المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف في منطقة عسير عوض الأسمري أن الهيئة تتعامل مع السلع التجارية التي يظهر بها إساءة لتعاليم الدين بالتنبيه على رجال الأعمال بمنع بيع تلك السلع وإعادتها إلى مصدرها، وما يشتبه فيه منها ترفعه الهيئة إلى لجان بالداخلية، تشارك فيها؛ لدراسة تلك السلع وتقييمها. وبخصوص العباءات المخالفة، يوضح الأسمري أن الهيئة تمنع بيع العباءات المخالفة كالشفاف والفاتن منها التي تخرج عن مضمون الحجاب الشرعي ومقصوده حفاظاً على قيم المجتمع المسلم وآدابه الإسلامية، مشيراً إلى أن المرأة في خروجها بحجاب مخالف أو ناقص فإنها تنتقص من قيمتها التي رعتها تعاليم الشريعة الإسلامية. حكمة عظيمة أحمد الغامدي ويقول الدكتور أحمد الغامدي لا شك أن لبس الفتاة للجلباب والخمار حين تخرج للأماكن العامة واجب من واجبات الدين، لأمر الله بذلك في قوله: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» ولقوله «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما». ويقول في تشريع الجلباب والخمار حكم عظيمة للمجتمع رجالاً ونساء من أهمها أن ذلك من موانع الأذى لها وفيه بعد إنساني بستر محاسنها عن الرجال الأجانب يعينها على قضاء حاجاتها ومشاركتها الحياة العامة في المجتمع في صورة إنسانية تستر الجوانب المثيرة في المرأة، ولاشك أن الفتاة التي تفرط في لبس الجلباب والخمار وهي تعلم بوجوبهما شرعاً يلحقها إثم تفريطها وفيه دلالة على ضعف الإيمان. ويؤكد الغامدي أن لبس الجلباب والخمار من خصال الإيمان، وفيه عمل بأحكام الدين الواجبة على المرأة المسلمة، واستجابة الفتاة لذلك لاشك أن فيها تحقيق لمرضاة ربها، ومن الطبيعي أن تتوجه الفتاة المسلمة وتميل لذلك إيماناً وتسليماً لله فضلاً عما فيه من مصلحة خاصة بها؛ إذ يحقق لها الحفظ من الأذى. ويضيف أن انعكاس ذلك واضح على مصلحة الفتاة بقطع الطمع فيها من الفضوليين وذوي النفوس الضعيفة فيحقق لها القدر المطلوب من ستر محاسنها عن كل طامع ويحفظها من توجه الأنظار إليها أو الأذى وهو بهذا يحقق لها الأمان المطلوب وطمأنينة الأسرة عليها والثقة فيها كما يحقق السلامة للمجتمع عموما من المثيرات الجالبة لكثير من المفاسد، فالمحافظة على ذلك بلا شك سبب لأمنها وأمن أسرتها وأمن مجتمعها. تقليد الأمهات بناتهن طبيعي ولا يستغرب الغامدي تقليد الأمهات لبناتهن في ذلك بل يعتبره أمراً طبيعياً بدافع الاهتمام بحسن المظهر الذي يشترك فيه عموم النساء، ولا حرج في ذلك طالما أنه لا يخرج بهن عن المعنى المقصود من مشروعية الجلباب والخمار وهو الستر والحشمة. ويرى أن تفريط الفتاة البالغة في لبس الجلباب والخمار ذنب، وقد يرجع السبب في ذلك إلى وقوع بعض الفتيات في الحرص على إظهار حسن لباسها، أو اعتقاد بعض الفتيات أنها مازالت صغيرة على ذلك، أو لقرب عهدهن في العمل به والمواظبة عليه، أو لتفشي ذلك في البيئة التي نشأت فيها واعتادت عليها، أو لطمع بعضهن في لفت أنظار الآخرين إليها، وكل حالة لها حكمها. ويرى أنه من الواجب على الفتاة العارفة بالوجوب المبادرة بالتوبة عن ذلك وعدم تأجيلها طاعة لربها وحرصاً على نفسها، فإن المحافظة على ذلك لها أكبر أثر في اقتناع الرجل بخلق الفتاة المحافظة عليه وجمال جوهرها. الإعداد المبكر مطلوب ويلفت إلى أن الأسرة عليها واجب الاهتمام بتعليم بناتهن فائدة المحافظة على الجلباب والخمار ووجوبهما شرعاً، ومن المناسب أن تحرص الأمهات ويحرص الآباء على تعويد بناتهن على ذلك في سن مبكرة مع بذل النصيحة الكافية في إيصال القناعة بالمحافظة على ذلك، وتعليمهن ما فيه من الأجر والثواب، والأخذ في ذلك بكل رفق وحكمة ولين وموعظة حسنة حتى يتمكن في نفوس الفتيات أنه طاعة للرحمن وسبب لمرضاته، وهذا هو الأصل في النصيحة عموما لقوله تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين». إرضاء للنرجسية فهد المنصور ويبين استشاري الطب النفسي الدكتور فهد المنصور أن الاهتمام بالمظهر الخارجي بعض من صفات الفتاة ويشكّل جزءاً مهماً في شخصيتها، وهو شكل من أشكال التعبير والتواصل والرسالة الأولى التي ترسلها وتصل للآخرين ويبدأ من خلالها تكوين فكرة عن شخصيتها، فتسعى غالباً للظهور بأبهى حلة وزينة لتكون موضع اهتمامهم. ويضيف قائلاً إن اعتقادها بجاذبيتها من خلال الاستعراض والمبالغة أحياناً بأساليب التبرج ولبس العباءات اللافتة أو إظهار بعض من مفاتنها طمعاً في مزيد من عبارات الثناء والتودد لترضي نرجسيتها وتعوض بعضاً من ثقتها المفقودة بمخالفة أعراف المجتمع من خلال شعور بالتميّز ولو بطريقة سلبية؛ لأنها ستجد من يصفق لها ويمطرها بوابل من صيحات الإعجاب محاولاً استغلالها ومتلاعباً بمشاعرها وتقع هي ضحية لسذاجتها وسطحيتها ومن ثم تندب حظها وتلقي باللوم على الآخرين وتتناسى سوء تصرفها. طقوس المراهقة! وعن أسباب انتشار الظاهرة يقول المنصور «يلاحظ انتشارها بين المراهقات أكثر من غيرهن؛ حيث تمر المراهقة بتغيرات نفسية وجسدية يصاحبها عدد من الأمور التي تشغل ذهنها وتؤثر كثيرا في سلوكها، من أهمها شعورها بأنها أصبحت كبيرة وتعتمد على نفسها ولا تقبل التدخل في شؤونها ولم تعد طفلة، فتبدأ بالتركيز على نفسها والاستسلام لما يقوله الآخرون عن مفاتنها؛ فتبالغ بإظهارها لأن ذلك يلقى إشادة منهم، وترفض نصائح المقربين لأنها تشعر بأنها مستقلة برأيها وسلوكها وقراراتها، ولا تهتم إلا برسائل المدح والإطراء والتركيز على الاستمتاع باللحظة وعدم التفكير العقلاني والمنطقي بالمستقبل؛ فتقع ضحية الوقوع بين التوقعات العالية والصورة المتدنية عن الذات. تربية إيجابية ويشير المنصور إلى أن علاج مثل هذه الحالات يكمن في التربية الإيجابية فتشعر الطفلة بقيمتها واحترامها من قبل والديها حين يغمرانها بالتفهم والاحتضان والتقدير والحوار عند الاقتراب من سنوات المراهقة، وعدم إشعارها أن محور الاهتمام هو المظهر والجمال الشكلي وأن مصدر الاهتمام والجمال يكمن في جوهر الإنسان وأخلاقه واجتهاده ونجاحه في شتى مجالات الحياة، وضرورة التوازن بين تحقيق المتطلبات وتحميل المسؤوليات، إضافة إلى اهتمام الأب والأم خاصة بالقرب من الفتاة بشكل ودي بإتاحة قدر مناسب من الحرية والخصوصية للفتاة ومنحها درجة معقولة من الثقة ومتابعتها حتى لا تتمكن صديقاتها من التأثير عليها بشكل سلبي. لكنه ينصح إذا وصلت الحالة إلى درجة مَرضية بضرورة عرضها على معالج سلوكي يقدم شرحاً وافياً عن الأسباب التي أدت إلى حالتها تلك. كما يفيد العلاج النفسي التدعيمي في المساعدة على استعادة الفتاة الثقة في نفسها وتعليمها طرق التوافق النفسي السويِّ والعيش في الواقع، ويستخدم أيضا التحليل النفسي للكشف عن العوامل التي سببت ظهور الأعراض، والدوافع اللاشعورية وراءها، ومعرفة أبعاد الشخصية بهدف تطويرها ونموها والعلاج الإيحائي لإزالة الأعراض؛ حيث يلعب الإيحاء والإقناع دورا مهما هنا. ** جدير بالذكر أن وزارة التجارة لم تتجاوب مع محاولات «الشرق» للاستفسار عن إجراءات الوزارة للتعامل مع العباءات والأغطية المخالفة والمنتشرة في الأسواق، حتى لحظة إعداد هذا التقرير للنشر.