انشغلت وسائل الإعلام الغربية، الأسبوع الماضي، بالحديث عن احتمال أن يكون السفاح المقنع، الذي يظهر في تسجيلات داعش ملوحا بالسكين منذرا بذبح الرهائن الأجانب مواطنا بريطانيا اسمه محمد اموازي. ونشطت بعض الصحف الغربية؛ مثل ديلي ميل البريطانية وواشنطن بوست الأمريكية، في الاستطراد والتقصي عن شخصه، فذكرت أن اموازي ينتمي إلى عائلة ثرية هاجرت إلى بريطانيا حين كان طفلا في السادسة، فنشأ في بريطانيا ودرس في مدارسها. وأنه في طفولته كان هادئا ومسالما، يحب كرة القدم ويشجع الفريق البريطاني الشهير مانشستر يونايتد، كما يحب موسيقى البوب ويعشق القراءة، حيث كان يتردد كثيرا على مكتبة المدرسة التابعة للكنيسة، لكن كتابه المفضل كان (كيف نقتل الوحش)! ولم يظهر التشدد الديني على اموازي إلا بعد أن بلغ سن المراهقة، حيث خلع الزي الغربي والتحق بالحركات الشبابية الإسلامية لتبدأ رحلته مع الأعمال الإرهابية. محمد اموازي لم يكن الشاب الوحيد الذي نشأ في الغرب وتعلم في مدارسه وتثقف بحضارته، هناك كثيرون غيره مثل محمد حميد الرحمن الذي قتل في سوريا وكان يعيش قبل ذلك في بورتس ماوث ويعمل في شركة ملابس بريطانية وعرف بحبه للتأنق في اللباس وقصة الشعر، وكذلك الشابان البريطاني والفرنسي اللذان قيل إنهما شاركا في ذبح الرهينة الأمريكي كاسيغ. اندفاع الشباب الغربي نحو الانضمام إلى داعش أو القاعدة لم يقتصر على الذكور فقط، فالأخبار غالبا لا تخلو من ذكر النساء أيضا، هناك تدفق نسائي كبير للالتحاق بداعش، حيث تبلغ نسبة النساء الغربيات من النمساوبريطانيا وفرنسا المشاركات في تنظيم داعش قدرا يتراوح بين (10-15%). وذلك حسب ما تذكره بعض الإحصائيات الغربية. هذا الإقبال من الشباب في الغرب على تبني القيم الداعشية والالتحاق بها في بغيها، يجعلنا نعيد النظر فيما كنا نقوله عن الأسباب التي تدفع بشبابنا إلى أحضان الإرهاب، وفي مقدمة ذلك إلقاؤنا اللوم على مناهج التعليم التي طالما اتهمناها بسقي العنف للطلاب؟ فهؤلاء الشباب الغربيون المنضمون إلى داعش نشأوا بعيدين عن تعليمنا التقليدي ومناهجه المتسمة بطابع التدين، تعلموا في مدارس الغرب، وصقلت عقولهم أفكاره وقيمه، وكبروا متأثرين بثقافة مجتمعهم الغربي، وهي ثقافة تؤمن بقيم الحرية والمساواة واحترام حقوق الفرد، كما تناهض التمييز والطبقية، مجموعة من القيم كان كثير منا يرى أن غيابها عن المجتمع هو أحد عوامل انجذاب الشباب إلى العنف وانضمامهم إلى الحركات الإرهابية!! ثم جاء مساعد وزير خارجية إيران ليقلب الموازين حين قال: إن ارتفاع عدد الشباب الغربي المنضم لداعش يعود إلى ضعف النظام التربوي الغربي المؤسس على العلمانية!! ها هم خريجو التعليم الديني وخريجو التعليم العلماني، كلاهما وقعا في شباك الإرهاب، وكلاهما هربا إلى أحضان داعش والقاعدة وغيرها من كهوف الشر، لا فرق بين من نشأ في مجتمع ديموقراطي أو نشأ في مجتمع سلطوي، كلاهما سواء. فما هي الحقيقة؟ وأين وكيف نصل إليها؟.