«رزقنا على الله» عبارة ترددها ساكنات الأربطة في منطقة جدة التاريخية.. وذات العبارة تتردد في اربطة مكةالمكرمة. لسان حال ساكنات جدة يصف واقعا صعبا ومريرا اذ تحتفظ كل واحدة منهن بذكرى أليمة وموقف لا ينسى وعقوق لا آخر له، حكايات تتداولها الغرف الموحشة عن المرض والهجر ووهن العظام والحبل المنقطع والاقارب الذين اختفوا او ضنوا عليهن بالزيارة والمؤانسة. تقول مسنة في احد اربطة جدة: لا يزورنا هنا احد غير الصحافة والصحافيات، يسمعن مشاكلنا ولا يفعلن شيئا! رزقنا على الله «عكاظ» سجلت زيارة وجولة ميدانية على رباط خيري بالمنطقة التاريخية الشهيرة وعايشت الساكنات واستمتعت إلى معاناة تمتد بعمر السنين، تروي المسنة عائشة بعضا منها وتقول: أسكن في هذا الرباط منذ قرابة 40 عاما، وفي فترات متقطعة يزورني بعض اقاربي، وأقضي مشاويري بمفردي، استقل سيارة اجرة لمتابعة علاجي في المستشفى متكبدة عناء مشوار الذهاب والعودة. وليس لدي ما يعينني من مصروف يقابل متطلبات الحياة، نحن هنا رزقنا على الله لا يطرق احد بابي ليمنحني حتى ولو 100 ريال. حالة السيدة سعيدة ليست افضل حالا من جارتها فتقول انها تعاني ماء أبيض في عينها «لانرى الأرزاق من أهل الخير إلا في شهر رمضان واحيانا نتلقى هبات المحسنين القليلة التي لا تكفي ومع ذلك ننتظرها بشغف.. هنا لا يزورني احد غير اختي لكنها مشغولة بمتطلباتها وحالتها ليست افضل مني وهي في حاجة الى من يعينها». أم محمد التي سكنت الرباط منذ أشهر قليلة تقول انها وجدت في الرباط الاستقرار والامان بعد ان انفصلت عن زوجها فانشغل اخوانها بمتطلبات اسرهم ولم تشأ مضايقتهم فقررت الرحيل والمجيء الى هنا «أتقاضي مساعدة شهرية من الضمان الاجتماعي لكن متطلباتي كثيرة، لدي ولد يعاني من الإعاقة كما انني أعاني من مرض الربو الذي يستلزم العلاج الدائم.. وهناك سيدات كثيرات مثلي مطلقات وارامل ينتظرن طوق النجاة من ارتفاع اسعار السكن والمعيشة وخلافها وننتظر كل يوم بفارغ الصبر أن يجود علينا اهل الخير لعل احدهم يمنحني جهاز تكييف وبعض مستلزمات الاعاشة».أم عبدالله التي تسكن في الرباط مرافقة اختها المريضة التي لا تقوى على الحركة والكلام تقول انها ظلت هنا لمراعاة اختها منذ سنوات وتتكبد مع المريضة مشاق رحلة الذهاب والاياب للمستشفى للكشف والعلاج وتتساءل عن امكانية تخصيص فرق علاجية تاتي الى المريضات العاجزات عن الحركة في بيوتهن خصوصا ان اغلب ساكنات الاربطة من المسنات والعاجزات عن الحركة ويعانين كثيرا في قطع المسافات من وإلى المستشفيات. إحدى ساكنات رباط المنطقة التاريخية (رفضت الافصاح عن اسمها) تقول انها في انتظار جود اهل الخير والاحسان لعل احدهم يتبرع لها بجهاز تبريد يخفف عنها مشقة الصيف المرتقب. وسألتها «عكاظ» عن من يزورها فقالت والغصة تخنقها: لا احد يزورني. لا يختلف واقع الحال في الرباط الخيري في منطقة جدة التاريخية عن غيره في أحد الأحياء. إذ وجدت «عكاظ» خلال الجولة الميدانية امرأة توفي زوجها منذ شهر جاءت لتبحث عن مسكن. تقول الارملة: منزل أهلي بالكاد يتسع لهم ولدي بنت تدرس في المرحلة الابتدائية فقررت انه من المناسب الاستقلال مع ابنتي ووالدتي في الرباط نظرا لضيق منزل أسرتي. سألناها عن رؤيتها لإجراءات التسجيل في السكن فتجيب انها تواصلت مع الإدارة المسؤولة عن الرباط ووعدوها بالاسكان حال توفر المقر. في مكةالمكرمة تعالت اصوات ساكنات الاربطة مطالبات بتوفير مساكن خيرية وبطاقات تموين وخدمات فالمباني التي تؤويهن بدت آيلة للسقوط ومتهالكة ولا تصلح للسكن ولا تناسب المسنات والارامل وصاحبات الظروف الخاصة والايتام، والكثير من هذه المساكن لا تقبل اسكان الرجال أو الشباب برفقة أسرهم، وتشترط على النساء عدم دخول أي رجل الى المبنى مهما كانت صلة قرابته والبعض الآخر يسمح بذلك في أوقات محددة. «عكاظ» تجولت في اربطة ودور خيرية في العاصمة المقدسة لرصد مطالب واحتياجات قاطنيها. وتبتدر فاطمة التي تقطن في احد الاربطة وتقول انها تتلقى من الضمان الاجتماعي 1800 ريال شهريا تنفقها على بناتها اليتيمات وابنة شقيقها المتوفى، ولا يكفيها المبلغ المخصص لتلبية الاحتياجات الاساسية. معاناة فاطمة زادت اكثر عندما اصيبت احدى بناتها بمرض السرطان وتضطر الى الاستعانة بالجمعيات الخيرية واهل البر والاحسان للعلاج ومقابلة التكاليف العالية للمرض الخبيث وللأسف معظم ادوية السرطان غير متوفرة في المستشفيات الحكومية طبقا لأقوالها «أعيش مع بناتي في ظروف صعبة وقاسية أجبرتني على العمل في بيع الطرح والغطاوي وبعض المستلزمات النسائية في مبسط في سوق شعبي».فاطمة تأمل رفع قيمة مخصصات الضمان الاجتماعي بما يتناسب مع غلاء المعيشة ومستلزماتها، مع دعم الساكنات ببطاقات تموينية مخفضة وبأسعار رمزية مراعاة لظروفهن فضلا عن مراعاتهن في فواتير الخدمات وفرض التأمين الطبي واسقاط رسوم الدراسة عن الابناء والبنات في الجامعات والمعاهد وفتح مزيد من الفرص لهم في الجامعات والمؤسسات التعليمية الحكومية. أم نسرين تقول ان الجمعية الخيرية منحتها وبناتها الثلاث مسكنا خيريا متهالكا في حي السبهاني يفتقر إلى أبسط الخدمات كالمياه، فضلا عن ان المنزل نفسه بعيد عن العمران وتضطر الى السير مسافات طويلة الى وسط المدينة لقضاء احتياجاتها اليومية من السوق لعدم توفر سيارة أجرة في الحي كما ان القائم على البناء اخبرها بضرورة دفع 600 ريال شهرياً كإيجار رمزي.. وتتساءل «كيف لامراة في مثل ظروفي سداد مثل هذا المبلغ».. وتطالب ام نسرين بحل مشكلة مباني الأربطة القديمة وتحسين أوضاع ساكناتها، وإنشاء مبان حكومية ملائمة لظروف كل أسرة مع تعزيزها بالخدمات الصحية والأمنية والاجتماعية. سناء، وجميلة، وأم وئام ساكنات رباط في العوالي لا يستطعن مغادرة السكن ومواجهة موجة الغلاء الفاحش حسب تعبيرهن، اذ يعتمدن على استحقاق الضمان الاجتماعي وفي أعناقهن مسؤوليات أعيت الرجال.. وتضيف احداهن أن ظروفهن أجبرتهن على تحمل قوانين السكن في الدخول والخروج وتفتيش الزوار وتحديد ساعات الزيارة ومنع أقاربهن من الذكور من الدخول للسكن وإخراج الساكنات إذا تجاوزت أعمار أبنائهم الذكور 12 عاماً.وتقول المسنة زينب أم علي إحدى قاطنات رباط في الكعكية انهن يعانين من شح الخدمات ومقابلة سداد فاتورة الكهرباء وصهاريج الصرف الصحي وأعمال النظافة حيث يتم السداد بالمشاركة وهناك ساكنات لا يقوين على الدفع لظروفهن فتضطر الاخريات الى تحمله برغم ظروفهن وهناك من يعانين من أمراض مزمنة أنهكت أجسادهن الضعيفة. ولا يختلف حال أم محمد عن سابقاتها فهي مسنة ومعاقة تعيش في شقة من حجرتين مع ابنها المريض وأسرته المكونة من ثلاثة أفراد بالإضافة إلى ابنتها المطلقة.