الذين يراهنون على ضعف ذاكرة التاريخ وإصابته بداء «الزهايمر» تجاه بعض الأحداث والقضايا يقعون في ورطة كبيرة عندما تصدمهم الحقيقة بأن التاريخ يرصد ولا ينسى، وعندما تحين اللحظة المناسبة يفضح ما ظن الواهمون أنه لن ينكشف، ويعري ما اعتقدوه مستورا إلى الأبد، هذا بالضبط ما يحدث الآن في القضية الساخنة إعلاميا، قضية سحب الدكتوراه من سعيد السريحي، الأستاذ الذي أصبح أهم من الدكتوراه قبل 28 عاما. المتورطون في هذه القضية لم يخطر ببالهم أن المجتمع سيتذكر القضية بعد زمن طويل، وأن إعلامنا سيكون قادرا على الحديث عن المسكوت عنه، وأن المكاشفة ستبلغ هذا الحد، ولذلك عندما بدأت إثارة الموضوع في تويتر وتبنته بعض الصحف، وتضامن معه عدد كبير من كل مكان أصيب أطراف القضية بالصدمة والذهول وراحوا يتخبطون في إجاباتهم ويتناقضون في ردودهم، كل يحاول أن يبرئ ساحته، لكن قاصمة الظهر كانت في نشر كل وقائع المناقشة صوتيا، وكشف الوثائق والمراسلات السرية التي تشبه مراسلات العصابات والتنظيمات التآمرية التي تعمل في الظلام. يوم أمس كشفت ونشرت صحيفة مكة التقرير الذي كتبه المناقش الرئيسي للرسالة، الذي نفى سابقا كتابته. نشرته كما هو وبخط يده ليسقط القناع عن جانب أسوأ من الجانب العلمي والأكاديمي، ألا وهو الجانب الأخلاقي، فالمناقش الذي أقسم أمام الباحث أنه لم يكتب تقريرا، ونفى مؤخرا هذه التهمة، نقرأ اليوم تقريره وبخط يده. «ووترجيت» السريحي ليست سوى شاهد على هيمنة الفكر الذي صنع معظم مشاكلنا، الفكر الذي لم يتورع عن استخدام كل الوسائل لإسقاط من لا يعتنقه، وهو فكر يظن أنه قادر على إيقاف حركة الزمن وحتمية مراجعته. ليس المهم أن تعود درجة الدكتوراه للسريحي بقدر ما هو مهم تعرية ذلك الفكر المنخور بالمساوئ.