«أنت من تجالس» قاعدة عظيمة تقرها فطرة الإنسان وطبيعته، فالنفس تؤثر وتتأثر سلبا أو إيجابا بمن تجالس، وكلما كثرت الخلطة وطالت كثر ذلك التأثر وزاد. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل). فانظر إلى نفسك، كم من الخصال والطباع التي لم تكن عليها من قبل. ها أنت تمارسها شيئا فشيئا حتى غدت عادة لك. وإن السؤال الذي يتحرج من طرحه كثيرا من الناس على أنفسهم، ولا يرغبون سماعه، ويتهربون منه حتى في صراعهم مع أنفسهم، هل من تجالس، خليلك؟. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير. فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة). هل جلوسك مع السفيه يقربك من ربك؟ أم على العكس من ذلك والعياذ بالله؟ فهناك الصفيق الذي يؤذي الخلق فهو عبد للسانه تخرج منه سفاهة لا ترضي الله ولا خلقه. قال رجل: رأيت ابن عباس آخذا بثمرة لسانه وهو يقول: ويحك، قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم. قال: فقال له الرجل: يا ابن عباس، مالي أراك آخذا بثمرة لسانك وتقول كذا وكذا؟ قال ابن عباس: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق منه على لسانه، يعني لا يغضب على شيء من جوارحه أشد من غضبه على لسانه. نعم أيها الحبيب قد تعلوا مجالسنا الضحكات والنكات، ولكنك توافقني أن ما يأتي بعدها من الهموم والحسرات، والغموم والآهات ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسموات. أقول لك وأجبني بكل تجرد ووضوح، من تجالس؟ هل الذي تجالسه ترضى أن تحشر معه أمام الله عز وجل؟ أو أن تكون في منزلته؟. أترك الجواب للقراء الكرام ولكني أذكر بقول الله جل جلاله: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). فإن الإنسان مجبور على التأثر من جليسه، والطباع جنود مجندة، يقود بعضها بعضا إلى الخير أو ضده وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة، ومنافسة في الخير، وترفعا عن الشر، وأن يحفظك في حضورك وغيابك، وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك، وأن يدافع عنك بسبب صلة القرابة، وتلك أمور لا تباشر أنت مدافعتها كما أنه قد يصلك بشخص أنت في غنى عنه فقول الشاعر: أنت في الناس تقاس، بالذي اخترت خليلا. فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكرا جميلا. قالوا سكت وقد خوصمت، قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح والصمت عن جاهلٍ أو سفيه أو أحمق شرف، وفيه أيضا لصون العرض إصلاح. وأختتم بالحكمة: إن القرين بالمقارن يقتدي. للتواصل (فاكس 6079343)