يتعاطف بعض الناس مع الذين يخالفون الأنظمة فتوقع ضدهم غرامات مالية يعجزون عن تسديدها، خصوصا إذا كانت قدراتهم المادية متواضعة أو محدودة، ويعربون عن ذلك التعاطف بطرح تساؤل مضمونه: ماذا يفعل وهو لا يملك ما يسدد به الغرامات التي صدرت ضده لقاء ما ارتكبه من مخالفات، وكأن المتسائل يريد بذلك تجميد تنفيذ ما صدر من غرامات بحجة أن مرتكب المخافة رقيق الحال، أما لماذا ارتكبها أصلا، فهذا السؤال خارج التغطية؟! وقد سمعت من يتعاطف ويتباكى على الذين يقطعون الإشارات المرورية ويتجاوزون السرعة النظامية ويعكسون السير ويعرضون أنفسهم والآخرين لمخاطر قاتلة أو مدمرة؛ لأن نظام ساهر رصدهم وهم يخالفون ويستهترون بالأرواح والممتلكات ليس لمرة واحدة ولا لمرتين ولا لعشر مرات، بل لمئات المرات، حتى يصل حجم مبالغ الغرامات إلى عشرات الآلاف على المخالف الواحد، وبدل أن يرتدع ويثوب إلى رشده يأخذ في الشكوى والتوجع من الغرامات، وأن عجزه عن تسديدها أدى إلى مضاعفتها من 300 ريال إلى 500 ريال على سبيل المثال. فإذا صاح وناح تجمع حوله أصحاب العواطف الباردة وسألوه عن سبب بكائه وشكواه، فيحدثهم عما صدر ضده من غرامات مرورية، وأن راتبه الشهري لمدة عام لا يكفي لتسديدها، وأن والدته عمياء وأبوه مشلول وخالته مسلولة وولده «يِحبِي»، وكل ما ذكر من مآسٍ ومقادير مكتوبة لا علاقة لها بقيام ذلك «المليح» بمخالفة الأنظمة المرورية عشرات أو مئات المرات، وكان الأولى به وحالته المادية لا تسمح له بسداد أي غرامة أن يكون أكثر التزاما بالأنظمة المرورية من غيره، وهذا لا يعني أن الذي عنده «فلوس» يخالف ويدفع، فالمخالفة لا تبرر ولا يجب أن تمرر، سواء كان مرتكبها قادرا ماديا أم شحتوت كحتوت؛ لأن في المخالفة أذى كبيرا وتعريضا لحياة الناس لمخاطر جمة، ولم تزل إحصائيات المرور تسجل مئات الآلاف من الحوادث المرورية التي يقتل فيها نحو ثمانية آلاف إنسان سنويا بمعدل ضحية كل عشرين دقيقة، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى الذين تعتبر إصابة بعضهم خطيرة ومعوقة أو دائمة مثل الشلل ونحوه، فإذا جاء مخالف للأنظمة المرورية حاملا قائمة بمخالفاته وبما ترتب عليها من مبالغ متراكمة عجز عن سدادها، وقال لأحد ممن حوله: ماذا أفعل؟ فإن الجواب أن يقال له: لا تخالف!.