على الرغم من الحزن والأسى البالغين اللذين يشعر بهما السعوديون إثر الإعلان عن انتقال ملكهم الراحل المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز إلى جوار ربه، إلا أن ما خفف من وقع هذا المصاب الجلل هو انتقال آخر، وأقصد به الانتقال السلس والهادئ لأعلى هرم السلطة في البلاد إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز بولاية العهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد. والمؤكد هو أن الهدوء الذي ميز هذا الانتقال السريع والمنظم للسلطة في أعلى مستوياتها في البلاد إنما ينطوي على دلالات هامة، في مقدمتها تأكيد الاستقرار السياسي الذي تنعم به المملكة العربية السعودية، ومتانة الوحدة الوطنية، وتلاحم الشعب مع الأسرة المالكة الكريمة، والتفاف المواطنين حول قيادتهم الحكيمة، والتماسك الشديد للبيت السعودي من الداخل. من جانب آخر، فإن صورة التلاحم الرائعة التي أبداها السعوديون يوم أمس تجاه قيادتهم، وتدفقهم على قصر الحكم في العاصمة الرياض وكافة إمارات المناطق لمبايعة قيادتنا الرشيدة إنما تمثل ضربة موجعة للحاقدين والمؤلبين من الخارج وأذنابهم في الداخل الذين دأبوا على التشكيك في اللحمة الوطنية وكانوا يراهنون على عدم الاستقرار في حالة حدوث متغيرات رئيسية قد تغيب أحد رموز السلطة في الدولة، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم بعد أن أثبتت الأحداث عمق الروابط بين الشعب والقيادة. وبهذه الترتيبات المتسارعة والمنفذة بدقة وكفاءة وفاعلية؛ تثبت المملكة كما كانت على الدوام بأنها واحة الاستقرار في المنطقة، وإحدى أهم ركائز الأمن الإقليمي، ولاعب رئيس يمكن للعالم الاعتماد عليه في تعزيز السلم في المنطقة والعالم على الرغم من الاضطرابات التي تشهدها العديد من الدول العربية في السنوات القليلة الماضية. وثمة مغزى آخر يمكن استنتاجه من سرعة انتقال السلطة ويتمثل في اطمئنان المواطنين على استمرار مسيرة البناء والتنمية في المملكة، وتوالي الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ميزت عهد الملك الراحل تغمده الله بواسع رحمته وقدرة بيت الحكم السعودي على ترتيب أوضاعه الداخلية على نحو يضمن مواصلة النهج الذي قامت عليه هذه البلاد على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه. أما على الصعيد الدولي، فإن التماسك الواضح الذي أبدته بلادنا بتحقيقها لانتقال سريع وهادئ للحكم يمكن اعتباره رسالة للعالم على موثوقية مؤسسة الحكم في المملكة، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية على كافة المستويات، وبهذا فهي شريك استراتيجي موثوق يمكن للعالم الاعتماد عليه في تأمين إمدادات الطاقة باعتبارها أكبر منتج ومصدر للنفط الخام. ختاما، أسأل الله العلي العظيم أن يمن على الملك سلمان حفظه الله بموفور الصحة وأن يمده بعونه وتوفيقه، وأن يشد عضده بأخيه ولي العهد، وسمو ولي ولي العهد، وأن يعنيه على حمل الأمانة العظمى ومواصلة النهج القويم الذي قامت عليه هذه البلاد بتطبيقها شرع الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، مع استمرار مسيرة الإصلاح الذي تنعم بلادنا بثماره، وتوحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم والدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية.