من أفضل القربات إلى الله تعالى إطعام الطعام، ولذلك نجد كفارة بعض الذنوب في شريعتنا إطعام المساكين، بل إن العزوف عن إطعام هؤلاء هو مما يقذف بالعازفين في سقر: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين). والآيات التي تحض على إطعام المساكين كثيرة، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته سطور فى كتب السيرة العطرة، ولم اجد فى ذلك كله تحديدا للمستفيدين من هذا الإطعام، اي أن الإطعام ليس خاصا بجوعى المسلمين، إذ ليس من المعقول أن اسأل جائعا، ما دينك؟ فإن كان مسلما أطعمته، وإن كان غير مسلم، تركته يتضور جوعا، اي دين يأمر بهذا، لا يستحق أن يتبع. تلك السطور استهل بها حديثي تعقيبا على تقرير للبنك الدولي صدر مؤخرا، أشار إلى أن هناك أكثر من مليار شخص -اي نحو خمس سكان العالم أو أقل قليلا- يعيشون في فقر مدقع، ناهيك عما يعانيه نحو 1.2 مليار شخص في العالم من انعدام الكهرباء، ولا احد يتخيل منا كيف يعيش هؤلاء، ونحن لا نحتمل انقطاع التيار الكهربي عن منازلنا لدقائق. والانكى من ذلك نحو 2.5 مليار شخص يعيشون بلا مراحيض (أعزكم الله)، وقرابة المليار يفتقرون إلى إمكانية الحصول على مياه شرب مأمونة. بالطبع، معظم هذه الموبقات، «تنعم» بها الدول النامية، وهي تسمية خادعة مضللة لتلك الدول والشعوب الفقيرة البائسة، إذ يرتبط النمو في الأذهان بالأوضاع الايجابية، على مستوى الأفراد والدول. هذه الدول «النائمة» في الفقر والجوع والمرض والتخلف -ومعظم الدول الإسلامية منها ولا فخر- تحتاج -كما أشار تقرير البنك الدولي- إلى تريليون دولار سنويا، لسد هذه الفجوة الضخمة في احتياجاتها الأساسية، ناهيك عما تحتاج إليه دول عديدة من أموال طائلة لمواجهة الكوارث كمرض الايبولا وغيره. نعم، لقد انعم الله تعالى علينا بسعة الرزق، لكن هذا لا يمنع من وجود فقراء وجوعى في كثير من أنحاء بلادنا، ولا ينتظر احدنا أن يأتي إليه الجوعى ليسألوه، إضافة إلى ما نعرفه جميعا من مجاعات تجتاح كثيرا من دول العالم، إسلامية وغير إسلامية، فالصومال، موريتانيا، بنجلاديش، باكستان، والهند، وغيرها من الدول كلها دول تعاني من مجاعات وعوز وفاقة، شاهدها كل من ذهب إلى هذه الدول زائرا، أو عابرا. والآن الشعب السوري يئن من الجوع والبرد. لا تقل لي: وما لنا وهؤلاء؟! فالإسلام دين عالمي، لا تقف اهتماماته عند حدود الدول. الإسلام دين الإنسانية، وعلى المسلم أن يحمل هموم هذه الإنسانية فما استحق من يولد، من عاش لنفسه فقط. دع الحديث عما تسهم به المملكة في المنظمات الدولية المعنية بهذه القضايا، إذ إن ما يمكن أن يقدمه الأفراد، يفوق كثيرا ما تقدمه الحكومات، وقد قرأت منذ سنوات أن زكاة أهل مكةالمكرمة، أهل مكة فقط، لو تم اخراجها كاملة، لكفت جوعى العالم الاسلامي، فما بالنا بزكوات أثرياء الرياضوجدة والمدينة وغيرها، وما بالنا بأثرياء الخليج الكرام. لا بد من تفعيل دور المنظمات والهيئات ذات الثقة، كمنظمة العالم الاسلامي، وغيرها، وتوجيه الدعم المادي من قبل الأثرياء والأغنياء وتخصيصه لمحاربة الجوع أولا، ثم لدعم احتياجات تلك الشعوب المعدمة. في أفريقيا، يبذل المبشرون النصارى جهودا خارقة في هذا المجال لنشر دينهم، عن طريق محاربة الجوع، وتوفير سائر الخدمات لشعوب هذه القارة. نشر الإسلام في ربوع العالم، لا يكون ببناء المساجد، وإنشاء معاهد تحفيظ القران فقط، فقد جاء الإسلام ليحقق العدالة الاجتماعية ولنصرة الفقراء أولا، لا ليأمر ببناء مساجد تنفق على زخرفتها وفرشها الملايين، بينما لا يجد المصلون فيها ما يسد رمقهم، ويخفف آلام جوعهم. ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد.