عندما نسمع الاعتراضات الحادة على استعراض بسيط لفتيات صغيرات لا تتجاوز أعمارهن الثامنة على خلفية نشيد في مهرجان عام، والتهديد والوعيد الذي أطلقه بعض المتشددين، ومبادرة عدد غير قليل في مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق أشد الألفاظ إسفافا وتجاوزا للقيم الأخلاقية وتعديا على أعراض الناس، وكذلك رضوخ إدارة المهرجان لهذه الهجمة وكأنها اقترفت خطيئة كبيرة، عندما نتأمل هذا المشهد يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا شجاعا ومباشرا: هل تغير شيء يذكر؟ هل تجاوزنا فعلا مرحلة التشدد العنيف الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ قبل ثلاثة عقود، أطبقت بوادر التطرف على أغلب مفاصل الحياة الطبيعية في المجتمع وأعادت صياغته كما تشاء؛ لأنها امتلكت من أسباب القوة والتأثير ما جعلها تتصدر وتقرر وتنفذ. صادرت الوجه الإنساني للمجتمع ولوثت الفطرة التي عاش عليها الناس قرونا طويلة. أصبح الحرام هو السائد والحلال استثناء نادرا. تحولت المرأة إلى مخلوق نجس وإثم كبير في كل مكان، وجعلوا الفتية الصغار ينكرون على أمهاتهم وأخواتهم في أبسط الأشياء حتى تحول الحجاب إلى ممارسة إلزامية داخل الأسرة الواحدة. المناشط الترفيهية والبرامج الفنية في وسائل الإعلام ومظاهر البهجة في الحياة العامة اختفت تماما لتتحول الحياة إلى نكد وهم وغم بانتظار الموت. لم يتنبه أحد إلى سوء الفكرة التي تبناها هذا التطرف، وهي تهيئة أرضية مناسبة للتشدد كي تنمو عليها لاحقا الأشجار السامة للإرهاب الذي اعتقدنا أنه فاجأنا، بينما كان يتشكل أمامنا وبرعاية مباشرة وغير مباشرة من طيف كبير في المجتمع. الإرهاب وليد أفكار متشددة، هو فكرة في أساسه تتطور وتتحور حتى تصل مرحلة العنف والقتل، فهل يمكننا أن نجزم بأن فكر التشدد قد انتهى ونحن نرى ما نراه الآن في أكثر من مناسبة ومهرجان وفعالية. يحدث ذلك في الجنادرية وفي معرض الكتاب وفي الندوات الثقافية وفي المهرجانات الصيفية والشتوية، وهي كلها مناسبات برعاية مؤسسات الدولة الرسمية، فهل أنجزنا شيئا في سبيل الانتقال من مرحلة خطر الأفكار المتشددة إلى مرحلة الفكر السوي؟ ما يحدث الآن ليس ضمن اختلاف الأفكار وحرية الرأي وتباين وجهات النظر ضمن سياق ثقافي يسود المجتمع، وإنما إرهاب فكري يعيدنا إلى المربع الأول الذي تشكلت فيه قنابل الحرب ضد الوطن وأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي. [email protected]