تقشعر أبدان «الجداويين القدامى» كلما يزورهم طيف ذكرى الماضي أو حالما يقصّ أحدهم حكاية عنها، ولا يتوانى المهاجرون خارجها في العودة ولو على سبيل الحنين إلى ماضٍ خرج من حقيقتهم غير أن قناديله مازالت معلّقة في ذاكرتهم المسنة. تعد المنطقة التاريخية بمثابة «بيضة القبان» لجدة بأسرها إذ أنها تضم عددا من المعالم والمباني الأثرية والتراثية مثل ما تبقى من آثار سور جدة وحاراتها المختلفة كالمظلوم والشام واليمن والبحر، إضافة إلى عدد من المساجد القديمة كمسجد الشافعي والمعمار فضلا عن الأسواق التاريخية. مع انطلاقة مهرجان جدة التاريخية يعيش الكثيرون مظاهر الفرح والبهجة بهذا الكرنفال الجميل، الذي يؤسس لقيم اجتماعية إيجابية في قمة الروعة يستلهمها الأجيال ليتعرفوا إلى ماضيهم ويقرنونه بحاضرهم. مخزون الهوية يشير المؤرخ وأستاذ العمارة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عدنان عدس إلى أن عدد سكان جدة في القرن الرابع كان يتراوح بين 3 آلاف و5 آلاف نسمة، فيما يعتبر ابن المجاور هو أول من رسم خريطة جدة في القرن السادس الهجري. وذكر حينها بأن المدينة يقطنها نحو 5 آلاف نسمة، ويواصل عدس: العمرانيون بشكل عام يتكلمون عن ذاكرة المكان أو هويته وتأثيره في كيان الإنسان الموجود على أرض الواقع وهذا نوع من الرابط الذي يحدد الهوية، إذ أن المباني موجودة وكذلك الروابط الاجتماعية وأشكال المحلات والشوارع كلها كونت وجدان الناس الذين عاشوا في منطقة جدة وعملوا تكوينًا لحاراتها ولهويتهم التي عاشوا بها بتقاليدهم في الأكلات الشعبية ولباسهم التقليدي ولهجتهم البسيطة، مضيفًا بأنه حين يخرج مثلا من كان يعيش في جدة القديمة أو أي إنسان ارتبط بمكان ما تضعف نوعًا ما بعض الروابط لأن البيئة العمرانية الجديدة لا تؤثر على زخم ومخزون الهوية الموجود مسبقًا لذلك لا تؤثر المباني الجديدة فيها. اتجاه صحيح المهندس ياسر أزهر فنان تشكيلي والمتخصص في التراث العمراني يقول: أعتقد بأن ثقافة الوعي والإدراك بالجانب التراثي في مجتمعنا بدأت تسير في اتجاهها الصحيح منذ البدايات الأولى والناجحة التي خطتها الهيئة العليا للسياحة والآثار ولم يكن من المستغرب على مدينة جدة ذلك التوجه وتلك الجهود الواضحة من أجل النهوض بتاريخها على ضوء الأصالة والعراقة انطلاقًا من مهرجانها التاريخي المبهر الذي يعتبر الحدث التاريخي الرائد بين سائر المهرجانات التاريخية، وأضاف أزهر: المنطقة التاريخية سوف تحظى بقدوم مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الذين هم بلا شك يلعبون الدور الأكبر في النهوض بالمنطقة خاصة من أهلها الذين شاءت الظروف بمغادرتها والبعد عنها. أصول الترميم واعتبر أزهر بأن المنطقة التاريخية ستصبح واحدة من أهم المدن التي تلتزم بقواعد وأصول عمليات الترميم، وأشار إلى أن حقبة الماضي الجميل آن لها أن تعود وموعد الحاجة إلى «المعلم البلدي» وإلى أن تكون المنطقة مزارا للسياحة ومقصدا للفنانين والتشكيليين. وبين بأن الكثير من المجسمات الجمالية التي تشتهر بها جدة لا بد أن يحاكيها شيء في المنطقة التاريخية فضلا عن إدخال اللوحات الفنية والجدارية وذلك لمحاكاة التراث والأصالة. واقترح أزهر أن تشكّل سلسلة من النوافير الضوئية على امتداد المنطقة وإقامة فنادق تراثية ومتاحف ومقاهٍ شعبية بالإضافة إلى منطقة احتفالات.