سمعت ذات يوم في برنامج تلفازي سائلا يسأل «طالب علم» وكان السؤال يدور حول شخص دفن والده في قبر من القبور وبعد عشرين عاما مات ذلك الشخص فقام أولاده بدفن أبيهم في القبر نفسه الذي دفن فيه جدهم، طالبا فتوى فيما حصل وكان الجواب - حسب ما فهمت - أن ما قام به أولئك الأحفاد هو نبش لقبر جدهم وعملهم غير جائز إطلاقا! وقد استوقفني ما سمعته من فتوى أو جواب لأن الذي أعلمه ويعلمه غيري من سكان أم القرى أن مقابر «المعلاة» بجزءيها الشرقي والغربي اللذين يفصل بينهما شارع وجسر الحجون، لا يمر عام أو عامان وربما شهور حتى تنبش قبور المعلاة جميعها باستثناء قبور بعض الصحابة مثل قبر أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقبر عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أما باقي القبور فإن عمال قسم خدمة شؤون الموتى بأمانة العاصمة ومن قبله «القبورية» يقومون بإعطاء كل «حوطة» أي مجموعة من المقابر مدة معينة تظل خلالها مغلقة على من دفن فيها من الموتى ثم تفتح وتسوى الهياكل العظمية التي بداخلها وتدفن في ركن من القبر وتنظف ويرفع عنها الغطاء لتكون مستعدة لزائر جديد وهكذا دواليك. وقد تعجب أبو العلاء المعري من أحوال أهل القبور وتزاحم الكبراء والفقراء والأضداد على قبر واحد يستقبل الغني والفقير فيكون فيه الجميع سوءا فقال: رب قبر قد صار قبرا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد وعودة إلى السؤال والجواب .. فإذا كان طالب العلم المشار إليه أفتى بعدم جواز دفن إنسان في قبر أبيه بعد عشرين عاما من وفاة الأب ولحاق الابن به فما هو رأي فضيلته فيما يحصل في مقابر المعلاة وفي غيرها من المقابر من نبش للقبور وتهيئتها مرارا لدفن أموات آخرين حتى إن القبر الواحد يستخدم خلال العقد الواحد عدة مرات؟! لقد تعلمنا في دروس الفقه أن اللحد أفضل من الشق وهما صفتان من صفات المقابر ومقابر المعلاة هي من الشق أما مقابر البقيع فهي من اللحد لأن تربتها لينة تسمح بجعل القبر لحدا بخلاف تراب مقابر المعلاة الجاف الذي لا يسمح إلا بالشق أو على الأقل هذا ما هو حاصل في المعلاة منذ عشرات السنين وهي مقابر موجودة من قبل البعثة النبوية بسنوات طويلة على الأرجح! وعلى الرغم من تعدد استخدام القبر الواحد في المعلاة إلا أن زيادة عدد سكان أم القرى جعل هذه المقابر غير كافية لدفن الموتى اليوميين من السكان فأنشئت مقابر رديفة في شرق مكةالمكرمة بحي الشرائع وتوجد مطالبة شعبية بإنشاء مقابر في غرب مكةالمكرمة قريبا من البوابة لاسيما أن مخططات ولي العهد الموجودة في الموقع سوف تستوعب نصف مليون شخص وهم بعد عمر طويل أو قصير!، يحتاجون إلى مأوى، فكيف لو أن مقابر المعلاة - حسب الفتوى - لا تفتح أبدا بعد الدفن فيها .. وهل ذلك يعني أن تتحول أم القرى إلى مقابر؟!