داخل حافلة تضم مجموعة من عناصر تنظيم القاعدة يرتدون ملابس نسائية ومنقبين متوجهين إلى الحدود السعودية، وعند حاجز تفتيشي يمني شك أحد الجنود في أمر الحافلة، فأوقفوها فوجدوا فيها (6) رجال يرتدون عباءات سوداء طويلة وعلى وجوههم النقاب، وقبلها دخلت منقبة إلى سوق في دولة الإمارات لتقتل أحد (الذميين) الذين أعطاهم ولي أمر الدولة أمن العيش والأمان، ولولا كاميرات المراقبة لما وجد لها أثر، إضافة إلى حوادث أخرى مماثلة استغل فيها الإرهاب وشيوخه النقاب لتنفيذ جرائمهم ضد الوطن وإرهابه للوصول إلى غاياتهم الدنيئة، وقد اتصلت إحدى الفضائيات لاستضافتي لإلقاء نظرة على تاريخ النقاب، وهل كان معروفا تاريخيا قبل الإسلام، وهل هو من متطلبات الشرع وفروض الإسلام على المرأة؟. قال عز وجل: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، قال ابن كثير في تفسيره، أي على نحورهن وصدورهن ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية اللاتي كن مسفحات بصدورهن وأعناقهن وذوائب شعورهن، فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن. ولكن هذا لا ينفي ارتداء بعض نساء الجاهلية القناع كعادة من عادات المجتمع، يقول الأصمعي: كانت المرأة العربية في الجاهلية تلقي خمارها لحسنها وهو على عفة، ومنهن التي لا تكاد تفارق قناعها إذا انحسرت عن دارها، إما لاحتشامها واستحيائها، وإما لكلف أصاب وجهها، فهي تجتهد أن تستره. وفي نحو ذلك ما نقل أبو زيد عن أعرابي قيل له: ما تقول في نساء بني فلان؟ فقال برقع وانظر، يريد بذلك أن عيونهن خير ما فيهن. وشبيه ذلك ما حدث به الراغب الأصفهاني أن أسديا قبيح الوجه خطب امرأة قبيحة، فقيل لها أنه قبيح وقد تعمم لك. فقالت إن كان قد تعمم لنا فإنا قد تبرقعنا له، ولكن أمثال العرب السائرة تنبئ أن كشف القناع أغلب حالات فتيات العرب، ومن ذلك قولهم في قصة خماعة ابنة عوف ابن ملحم الشيباني: ترك الخداع من كشف القناع، يريدون أن الفتاة لا تستر وجهها إلا لشر تؤثر أن تستره، وقولهم فيمن لا يستر عيبه كذات الشيب ليس لها خمار، فهم لا يرون الخمار إلا لذات الشيب فإنه خليق به أن يواريه. وقولهم إن العوان لا تعلم الخمرة. فأما العوان فالنصف التي ناهزت الأربعين. ومعنى ذلك أن العوان جاوزت السن التي كانت تعاني فيها التقنع فلا تحسنه. وربما استهجن الرجل في الجاهلية انتقاب امرأته أو خدينته، وفي هذا يقول عنتره بن شداد: إن تغدفي دوني القناع فإنني طب بأخذ الفارس المستلئم ومعنى إغداف القناع إرخاؤه على الوجه (كتاب المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها عبدالله عفيفي 1/122)، فهو معروف قبل الإسلام، وقد تمم الإسلام الكثير من مكارم الأخلاق التي كانت سائدة في الجاهلية وأبقى عليها. يقول الحق (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) في هذه الآية تشعر بأن هناك شيئا مكشوفا في المرأة يمكن النظر إليه، فلذلك أمر تعالى بغض البصر عنه، وما ذلك إلا الوجه والكفان. ويفهم من هذا الكلام أن غض البصر إنما يتم عن شيء مرئي لا مخفي. قال النووي في شرح صحيح مسلم: وفي هذا حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبه لها. وإن غض البصر هو أمر مشترك للمؤمن والمؤمنة على حد سواء (يغضوا من أبصارهم) فإذا أولنا الآية على مفهوم من نادى بتغطية وجه المرأة، فيجب على الرجال كذلك تغطية وجوههم كالنساء تماما، وخصوصا أنه أتى بعدها الآية الكريمة (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن). كما أن أي غض البصر فيها إيحاء مباشر يدل على المكشوف من المرأة وهو الوجه محل النظر، وفي حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين، يعني أنه ليس الأصل، فالله لا يتعبد عباده بكشف عوراتهم في العبادة من صلاة وحج وعمرة. إن العورة التي يطلقها البعض على وجه المرأة عرفها البهوتي في الكشاف 1/263 بقوله: العورة لغة النقصان والشيء المستقبح، والعورة سوءة الإنسان أي قبله ودبره وكل ما يستحي منه. فمعنى ستر العورة أي تغطية ما يقبح ظهوره ويستحى منه من ذكر أو أنثى حر أم عبد، فإطلاق لفظ العورة على الوجه فيه معانٍ مستقبحة لا تستقيم مع العقل والنقل، فالوجه هو أكرم ما خلقه الله، فهل يوضع هذا الوجه الكريم في وعاء واحد مع القبل والدبر المستقبح كشفهما طبعا وشرعا. لقد أنهى مجلس الشورى نقاشا بضرورة ارتداء المذيعات الزي الوطني، معتبرا عدم ملاءمة التوصية قانونيا لاختلاف ثقافات اللبس وعدم معرفة ما هو الزي الوطني للمرأة السعودية أنه ثقافة وعادة. لقد ارتضينا الشيخ الألباني مصححا لحديث رسول الله، فنقول رواه البخاري وصححه الألباني، وله كتاب قيم جلباب المرأة المسلمة أورد فيه (22) دليلا على جواز كشف وجه المرأة، وهو يؤكد أن غطاء الوجه من مكارم الأخلاق، وأن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود، وإن كان لا يجب ذلك عليها، بل من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. ويجب أن نؤمن أنه من الأمور الخلافية، والتي لا تستوجب كل هذا الشد والجذب، فلدينا ما هو أهم.