لا تزال قضايا المرأة في الساحة الإسلامية محل اشتباك واختلاف، إذ تتلاقى مع البعد الاجتماعي حيناً ومع البعد الفكري أحياناً أخرى، إلا أن مشاركة بعض الشرعيين في القنوات الفضائية الإخبارية أو الحوارية التي تقدم من جانب نساء محجبات أو كاشفات لشعورهن محل تساؤل عند الكثيرين، في حين يرفض بعضهم بمجرد مشروعية كشف وجه المرأة من الأساس. ويرد التساؤل عما إذا كان هذا السلوك من جانب بعض الدعاة موافقة مبطنة أو مزاحمة بهدف سد الثغرات، التي أسهم الدخول تحت عباءتها في دخول عدد كبير من العلماء في الفضاء الإعلامي المرئي. ما دعا إلى سؤال آخر عن حدود المباح والمحرم في نظرهم أثناء حضور المرأة الإعلامي. الأكاديمي في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالخالق عبدالحي رأى أن مجرد الاختلاف حول المرأة وكشف وجهها في الإعلام والنظر إليها بحد ذاته يدل على أن المسألة ليست قطعية، وأشار إلى أن المرأة موجودة في العصر السابق، مستدلاً بالأثر المعروف «أخطأ عمر وأصابت امرأة» على أن المرأة كانت موجودة ومؤثرة وصوتها ليس عورة. لكنه رفض أن يكون تبرج النساء ضرورة للظهور، فطالب بعدم تبرج الإعلاميات والاحتشام في اللبس «وما عدا ذلك فلقاء المرأة من دون خلوة أمر عادي جداً ويعد من سنن كل الأنبياء، ورأى أن آية «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» تدل على التبعيض (من أبصارهم) فهم يغضوا أبصارهم عن شيء مفتوح، فهل يعقل أن يغضوها عن شيء مستور»، في حين طالب بعدم إمعان النظر في وجه المرأة حتى لا تحرج! ولفت إلى أن المرأة ليست وحدها فتنة فهناك فتنة مال، وأولاد وسلطة، لا تعالج المسألة بمنع المرأة أو رفضها، فلا تستطيع أن تمنع المرأة بدعوى العورة أو أنها فتنة. وأضاف: «المرأة إذا كانت في وضع محتشم ومن دون خضوع في القول وتقوم بأمور جادة وخدمة للمجتمع فأنا أرى مشاركتها في التلفزيون مهمة، فالزينة مطلوبة بالشيء المقبول، لا إفراط ولا تفريط، وخروجها في التلفزيون أمر وارد، ولو كان فسقاً أو فجوراً لاعترضت هيئة كبار العلماء على ذلك». وحول توقيع فقهاء على مذكرة تطالب وزير الإعلام بعدم خروج النساء في التلفزيون، قال: «من حقهم أن يعبروا عن آرائهم لكن لا يصبغوها بالدين، فهناك فرق بين الدين والتدين»، وضرب مثالاً لرأي الإمام أحمد بن حنبل إذ كان يقول في عصره المرأة عورة حتى ظفرها، وفقه الاختلاف معروف، وأرجع مطالبة البعض بالمنع إلى مواقف اجتماعية، مؤكداً أن «من يحسم الأمر هو السلطة السعودية». وكان جمع من الدعاة السعوديين غير الرسميين طالبوا وزير الإعلام السعودي عبدالعزيز محيي الدين خوجة، بمنع النساء من الظهور على الشاشة الصغيرة، بدعوى أن ذلك يعدّ في نظرهم من المخالفات الشرعية المطلوب معالجتها في عهد الوزير الجديد. من جانبه، شدد القاضي محمد الشامي على حرمة مشاركة المرأة: «لا نرى حضور المرأة في القنوات الفضائية، لأن ذلك غير جائز لها، كما لا يجوز نظر الرجال الأجانب إلى المرأة التي تخرج في القنوات أو غيرها». وحول تعليل البعض بضرورة متابعة الأخبار التي لا تخلو من حضور نسائي في معظمها قال: «حتى الأخبار لا يجوز النظر إلى النساء فيها، وبإمكان المرء أن يستمع إلى الإذاعات أو في القنوات، أو يقوم بحجب الصورة في القناة إن استطاع، فإذا لم يستطع أن يسمع الخبر إلا بالنظر إلى المرأة فإنه لا يجوز له سماع الخبر» مبرراً المنع بأن الوسائل لها أحكام الغايات. وزاد: «ما دامت فتحت وجهها فلا يجوز النظر إليها، لأنها مأمورة بتغطيته في قول الله تعالى «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» والخمار يأتي من فوق إلى الرأس ويغطي الجيب»، كما لم يرخص لمن يرى جواز الكشف أن ينظر إلى المرأة «المدرسة الفقهية التي ترى جواز كشف الوجه، لا يحق لهم متابعة الأخبار وعلينا أن ننكر عليهم وفق ما نعتقد، حتى لو أجازوا الكشف، نحن لا نعتقد هذا والإنسان ينكر وفقاً لما يعتقد». وختم رأيه بأن المرأة حتى لو لم تخرج شعرها، لا يجوز لها المشاركة في ذلك: «لدينا من الأدلة ما يكفي لإقناع كل أحد وهذا اختيار مشايخنا كابن باز وابن عثيمين»، واستثنى من ذلك النظر للمرأة الأجنبية في خطوبة أو طبيب ليعالجها ونحو ذلك مما تدعو إليه الضرورة. من جانبه، اتفق الأكاديمي الشرعي في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور علي الشبل مع القاضي محمد الشامي في عدم جواز الخروج في البرامج الإعلامية، «لا يجوز للمرأة أن تخرج في البرامج الحوارية أو الأخبار فإن احتيج إلى ظهورها فلتظهر متحجبة، الحجاب الذي أمرها الله به، هذا الحجاب الذي هو ستر الوجه مع الشعر وسائر البدن». ونوه إلى أن «هذا ليس حكماً من قبيل العادة أو التقليد وإنما حكم الهي ليس لنا تدخل فيه واستدل بقوله تعالى، «ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم». وأفاد بأن المرأة اذا ظهرت وهي كاشفة لوجهها أو لما أمرت به من الستر، فواجب على المسلمين أن يغضوا أبصارهم، قال تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم..»، وأشار إلى أن الآية توضح جانبين الأول أن تلتزم وتستقيم المرأة فلا تظهر وجهها ولا زينتها والجانب الآخر الرائي إليها. ولفت إلى أن المرأة إذا كانت غير مسلمة فهي غير مطالبة بتغطية الوجه لكن على المسلمين ان يغضوا أبصارهم عنها. وذكر أن من يرى جواز كشف المرأة لوجهها لا يحل له النظر إليها، لأن الله أمر بغض البصر، وفي سؤال ل«الحياة» عن أن النساء أمرن بالأمر نفسه، أوضح أن نظر المرأة غير الرجل، وعلل ذلك بأن المرأة لم تنه عن النظر الذي لا بد لها منه، فالمرأة تحتاج إلى أن تنظر إلى الطريق والمصلى. واستدرك بأن المرأة منعت من النظر إلى الرجل إذا كان هناك فتنة أو خوف الفتنة، أما الرجال فمنعوا بغض البصر مطلقاً لا مقيداً. أما قول البعض ان النظر إذا لم يكن بمتعة أو لشهوة فإن الأمر مختلف، فأجاب عنه بالقول: «هذا اجتهاد في مقابل نص فالرسول يقول النظرة الأولى لك، ويقول النظرة سهم من سهام إبليس، ويقول والعين تزني وزناها النظر».