يتشكل ويتطور، تموت فيها بعض الكلمات، وتولد أخرى، وتتحور أخرى، في حركة دائبة لا تتوقف، نتيجة لاختلاط الناس ببعضهم البعض، ونتيجة للحروب والهجرات والاختراعات والاكتشافات والإبداع عموما. وهذه الظاهرة موجودة في جميع لغات العالم، بما فيها اللغة العربية. ولو أنني أردت أن أضرب مثلا على كلمات نتداولها يوميا، وهي دخيلة على اللغة العربية، لما كفتني صفحة الجريدة، ولكنني سوف أورد نماذج بسيطة، فمثلا: (بشت) أي عباءة هي فارسية، (شرشف) أي لحاف هي كردية، (بس) أي اسكت أو(اخس واقطع) هي فارسية، (بهارات) أي توابل هي هندية، (طاوة) أي مقلاة هي تركية، (دروازه) أي بوابة هي هندية، (خيشة) أي كيس هي فارسية، (طرمبة) أي مضخة هي إيطالية، (زولية) أي بساط هي فارسية، (قرطاس) أي ورق هي يونانية، (مالغ) أي سامج ليس له طعم هي فارسية، (كندرة) أي حذاء هي تركية، (خبل) أي أهبل هي فارسية، (تجوري) أي خزنة هي هندية، (سروال) عاد هذه ما يحتاج لها شرح فكلكم تعرفونها، إلا إذا كان أحد منكم قد (ضيع مفاتيحه) واصل هذه الكلمة المحترمة الحيوية التي سترت العورات هي فارسية. ولكي لا أطيل عليكم اكتفي بهذا القدر المختصر من الكلمات. وإنني عندما أوردت تلك الأمثال، فليس معنى ذلك أن اللغة العربية ضعيفة ومستهدفة، بل بالعكس، فالكلمات أو المفردات العربية قد غزت بالمقابل اللغات الأخرى وتلاقحت معها واستوطنت فيها، من الهند إلى فارس إلى تركيا إلى إسبانيا، ومنها انتقلت إلى مختلف لغات أوروبا بالآلاف، ويكاد من المستحيل أن تكون هناك لغة من لغات العالم الحية ليس فيها كلمة عربية. (والقرآن الكريم)، وهو الذي نزل من السماء وأصبح أطهر كتاب على وجه الأرض، فيه عشرات الكلمات التي أصولها غير عربية، غير أن العرب قديما احتضنوها وهضموها، وأصبحت في نسيجهم اللغوي فتعربت تلقائيا، وهو الحافظ بعد الله لهذه اللغة. حتى الكلمات تؤثر فيها (اللهجات)، ومن شاهد فيلم (سيدتي الجميلة) الذي مثله (ركس هارسون وادري هيبرون)، يعرف أن (اللهجة) هي أيضا كائن حي. نحن نقول ونؤكد دائما أن اللغة العربية واحدة لا تتجزأ، وهذا صحيح إلى حد ما، غير أن نطقها يختلف من مجتمع إلى آخر، فهذه مثلا جريدة عكاظ البعض ينطقها (عكاز)، وها هي عاصمتنا الرياض البعض ينطقها (الرياظ)، والغالبية العظمى عندما ينطقون حرف (القاف) عندنا ينطقونها مثلما ينطقها أهل مصر مخففة وكأنها حرف (G) بالإنجليزي، بل إنهم في الجنوب يقلبون الجيم إلى ياء، فبدلا من أن يقول الواحد منهم مسجد، يقول: (مسيد). وعلى ذكر اللهجات، ففي سنة من السنوات، كنت في مطعم أحد الفنادق في القاهرة لتناول الغداء مع صديق سعودي وآخر كويتي، وأراد السعودي أن يتفسلف ويتكلم باللهجة المصرية، فقال للغرسون: يا باشا عاوز (دأاء)، فاحتار الغرسون في طلبهم ولم يفهم، فتدخل الكويتي قائلا: بفصاحة لا يحسد عليها أنه يا معود يبي (دياياه)، فامتقع لون الغرسون أكثر، فأنقذت الموقف قائلا: إنه يريد (فرخة)، أخذ الغرسون الطلب واستدار وهو يهز رأسه ويضرب كفا بكف، وسمعته يقول لنفسه: يا خواتي هم بجيبوا الكلام دا من فين.