في وقت تستعد الأوساط التربوية لاختبارات الفصل الدراسي الأول، تتجه أنظار بعض طلاب الجامعات إلى المكاتب التجارية التي تنشط حاليا لتوفير البحوث الدراسية بأثمان متفاوتة. وباتت عملية شراء البحوث الجاهزة ظاهرة يتداولها الكثيرون من الطلاب، بينما يعتقد زبائن «البحوث الجاهزة» من الطلاب بأنها خطوة اضطرارية تفرضها ظروف أكاديمية مثل الضغوط الدراسية وتزامن التكليفات البحثية مع موعد الاختبارات، وتقصير المشرفين على مادة البحث؛ إلا أن أكاديميين يرون أنها مسألة محفوفة بمخاطر شرعية وعلمية كبيرة. وأكد الطالب في جامعة الملك خالد بأبها سعود الحجري أن الطلاب يواجهون إشكالات عدة في ما يخص البحوث، ومنها، أنها تسهم في تشتيت التركيز عن بقية مقررات المنهج الدراسي، لافتا إلى أن ما يضاعف المشكلة هو أن التكليف بإجراء البحوث يأتي غالبا في أوقات حرجة غير مناسبة مثل أوقات الاختبارات. وحول ما يفعله الطلاب إزاء تلك الإشكالات، قال الطالب محمد العمري عادة ما يلجأ الطلاب إلى مكتبات خدمات الطلاب، مشيرا إلى أن تلك المكتبات ترفع الأسعار مستغلة حاجة الطلاب للبحوث، وأنه عند اللجوء لتلك المراكز «يخسر الطالب القيمة العلمية المرجوة من عمل البحوث». وانتقد الطالب أحمد الويمني البحوث، «إنها في الغالب تطلب كشيء روتيني وليس للفائدة»، مستشهدا ب«طلب بعض أعضاء هيئة التدريس البحوث محددة بعدد صفحات معين دون الاهتمام بالمحتوى». وامتدح الطالب عبدالعزيز العضاضي النظام الجديد الموجود في موقع الجامعة، نظام بلاك بورد واصفا إياه بأنه يسهل مهمة البحث العلمي، منتقدا ضغط الواجبات الدراسية، التي يصل بعضها إلى أربعة وخمسة واجبات في اليوم، مشيرا إلى أن كمية البحوث والواجبات المطلوبة في آن واحد، تتسبب في الضغط، «خصوصا أن بعض الواجبات فيها تعقيد وصعوبة وهي بحاجة إلى فهم وتمعن». أما تركي القحطاني، طالب بقسم أصول الدين، فأكد وجود معاناة تواجه جميع طلاب وطالبات الجامعة، وتساءل « لا أعلم، هل هي مثل غيرها من الجامعات أم أنها استثنائية؟»، مبينا أن مصدر المعاناة، «يكمن في كثرة طلب البحوث من أعضاء هيئة التدريس في أوقات متصلة دون انقطاع، لا سيما أنها ليست كأي بحوث، إذ تحتاج للوقت والجهد، ناهيك عن التكاليف المادية»، مشيرا إلى أن «الأدهى والأمر» هو أنها تقدم بعد إعدادها باسم عضو هيئة التدريس الذي أشرف عليها وليس باسم الطالب الذي أعدها، أو تراها في «القمامة». وأضاف «من انعكاسات تلك المشكلات التي يعاني منها الطلاب، اللجوء إلى مدرسين خصوصيين أو إلى طلاب سابقين افترشوا طرقات الجامعة ولديهم الخبرة والإلمام البحثي، دون أن يخسر الطالب وقته وجهده في إعداد بحث أو يتحمل تكاليف مادية باهظة في مراكز خدمات الطالب». واستعرض الطالب علي الشهراني المشكلات التي يعاني منها الطلاب في إعداد البحث العلمي ومشروع التخرج، حيث «يعاني الطلاب من مشكلات منها: ضعف في اللغة الإنجليزية، وتدني الخلفية العلمية لدى كثير من الشباب في تخصصه، وبالتالي صعوبة فهم المادة العلمية التي يبحث عنها، وعدم قيام مشرف البحث أو المشروع بمسؤوليته أمام الطالب»، مؤكدا في الوقت ذاته أن أكثر ما يزعج الطلاب هو الإجبار على البحث في موضوعات أو برامج محاكاة لم تتم دراستها من قبل في القاعة، ولا يمتلك الطلاب أي فكرة عنها. وأضاف «معاناة الطلاب لا تقتصر عند هذا الحد، بل إن الجامعة لم توفر العدد الكافي من الأجهزة والبرامج التي يحتاج إليها الباحث والطالب، حيث إن أغلب البرامج المتوافرة مثبتة بطريقة غير قانونية». وأوضح أن من المفترض أن تراعي المشاريع المطروحة توفير خيارات متنوعة للطلاب والطالبات، ضمانا للحرية في اختيار المشروع والإبداع فيه، «بحيث لا يكون الموضوع إجباريا». من جانبها تحفظت مراكز خدمات الطلاب حول جامعة الملك خالد بأبها، عن إبداء أي تعليق حول تلك البحوث، زاعمة أنها لا تتعامل بها، لكن مصادر «عكاظ» أكدت أن «صفقات البحوث» لا تتم إلا بطريقة سرية. لكن عضو هيئة التدريس في قسم الحاسب الآلي الدكتور وديع غريبي، دافع عن البحوث العلمية، ورأى أن طلاب الجامعة يفتقدون ثقافة البحث العلمي جراء انشغالهم بالنجاح وسرعة التخرج وبالمواد الأساسية، موضحا أن مشروع التخرج يعتمد غالبا بنسبة 80 إلى 90% على البحوث العلمية. واعترف بأن غالبية الطلاب يعتمدون على غيرهم في إجراء البحوث لأسباب قال إنها «معروفة» لدى الجميع دون أن يفصح عنها، مؤكدا أن توافر مكتبة ورقية وإلكترونية في الجامعة يساعد الطلاب والطالبات في استقاء وجمع أي معلومات ضرورية لإعداد البحوث. وأضاف الدكتور غريبي أن من الواجب أن يخضع الطلاب لدورات تدريبية للتعرف على أساليب البحث العلمي بطريقته الصحيحة والعلمية، مشيرا إلى أن الجامعة تدعم البحث العلمي عبر العمادة المعنية به، إلى جانب المجلة التي تهتم بنشر البحث العلمي، رغم غياب الندوات الطلابية التي من شأنها أن تثري هذا المجال. وقال «منذ أن قدمت إلى الجامعة لم أر دعوة لي أو للطلاب للمشاركة في ندوة، رغم أهمية تلك الخطوة للطلاب». وأكد عميد شؤون المكتبات بجامعه الملك خالد الدكتور منصور القحطاني أن البحث العلمي رسالة الجامعة التي تهم الأستاذ والطالب والمجتمع، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود. ووجه القحطاني رسالة إلى أعضاء هيئة التدريس قال فيها «إن على الأساتذة دورا كبيرا في توجيه طلابهم لتحديد البحوث والدراسات المطلوبة منهم وإرشادهم إلى الطريقة المثلى في استثمار الوقت، وزيارة المكتبة، ووضع خطة دورية للاطلاع على ما كتبه كل طالب أولا بأول، والاستفادة من الساعات المكتبية المحددة من قبل الجامعة لكل عضو بهيئة التدريس والتي لم توضع من فراغ، بل لتوجيه الطلاب التوجيه السليم». وأضاف القحطاني «إن لجأ أي طالب لخداع أستاذه، فهو إنما يخدع نفسه، ثم إن الأستاذ الجيد سيعرف أسلوب الطالب وطريقة عرضه للموضوع ومناقشته لبحثه، ولربما اكتشف طريقته ثم حرمه من المادة، ونحو ذلك». وعن أصحاب المكاتب التجارية، قال القحطاني «عليهم أن يتقوا الله في أبنائنا وبناتنا، ولا يعينوهم على تقديم بحوثهم ودراساتهم بطريقة غير نظامية»، مناشدا الجهات المعنية لمتابعة من يبيعون تلك الأبحاث ومحاسبتهم على ما يرتكبونه من «مخالفات وممارسات غير شرعية وغير نظامية جزاء لهم وردعا لأمثالهم».