سبق أن كتبت وكتب غيري العديد من الكتاب والمحللين الاقتصاديين عن وضع أسعار البترول وأثر الانخفاض الكبير في الأسعار على اقتصاديات الدول النامية المصدرة للبترول، وعلى وجه الخصوص الدول الخليجية، وبالتحديد على النمو في اقتصاد المملكة. وكتبت مجتهدا بالرأي الشخصي بأن الاقتصاد السعودي قوي ويستطيع أن يغطي العجز إذا وجد نتيجة انخفاض أسعار برميل البترول عن 80 دولارا، على أساس أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الميزانية للعام الماضي بنيت على سعر 80 دولارا للبرميل، وأن توقعات الخطة الخمسية بأن تغطى تكاليف مشاريع التنمية من إيرادات النفط وإيرادات أخرى، ومع استمرار انخفاض الأسعار تظهر الاجتهادات من الكتاب بآراء مختلفة ويتداخل العديد من الكتاب بآراء مختلفة ويصرح بعض الاقتصاديين في مجالسهم المغلقة بأن الأسعار مرشحة للهبوط إلى خمسين دولارا. والحقيقة لم أقرأ تحليلاتهم والأسس التي بنوا توقعاتهم عليها ولم أستمع إليها، ولا أعلم هل هناك أسس اقتصادية ينطلقون منها في تحليلاتهم، أم هي إشاعات للتخويف والترهيب وأخذ الحذر أو لإثارة القلق في نفوس المستثمرين. ويرى البعض الآخر من المنظرين والاقتصاديين أو غيرهم ممن لا علاقة لهم بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد بأن انخفاض الأسعار فقاعات وسياسات مؤقتة وستعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي، وقد ينطلقون في هذا الرأي من رغبتهم في نشر الطمأنينة وتهدئة أجواء القلق الذي ينتاب العديد من المستثمرين ورجال الأعمال والعامة من المواطنين، وهو شعور جميل يشكرون عليه رغم أنه لا ينبني على أسس وتحليلات اقتصادية قوية تدفع للطمأنة. ولا أعلم ما هي الأسس التي بنوا عليها توقعاتهم بعودة الأسعار مع بداية العام الميلادي الجديد، حيث يرى البعض بأن دخول فصل الشتاء سيعمل على عودة الأسعار إلى معدل مائة دولار نظرا لزيادة الطلب مع الإبقاء على مستوى الإنتاج، ويصرح بعض المسؤولين الرسميين في داخل وخارج المملكة بأن اقتصاد المملكة لن يتأثر حتى لو انخفض سعر البترول إلى أقل من سبعين دولارا؛ لأن العجز في ميزانية المشاريع بالإمكان تغطيته من الاحتياطي، ويؤكدون أن المشاريع قائمة ولا تراجع فيها ولا خوف على المقاولين والموردين. والحقيقة هي تصريحات مطمئنة، وأتمنى أن تكون في مكانها. لكن العامة من رجال الأعمال أو أصحاب المؤسسات الصغيرة والعامة من المستثمرين في سوق الأسهم أو سوق العقار والعديد من المستثمرين الأجانب والمحللين يرغبون في المزيد من التوضيح الرسمي المبني على أسس علمية وتحليلات اقتصادية تفصيلية توضح لهم الأسباب والأسس التي تبنى عليها التطمينات الرسمية، ولا سيما شعورنا بأننا شركاء في التنمية نؤثر ونتأثر بالعوامل المحيطة وبأسعار النفط ارتفاعا وانخفاضا، ولا سيما أنه المورد الرئيسي. وأجزم أن التخطيط المسبق للأزمات الاقتصادية قد يساهم في التخفيف من آثارها السلبية، ونحن كشركاء في التنمية لا بد أن نكون شركاء في المسؤولية. وهذا ما يدفعني اليوم إلى مطالبة المسؤولين عن البترول والمالية الإعلان الرسمي عن الموقف الرسمي للدولة، بما يساهم في التوضيح للعامة عن الوضع الحالي والمستقبلي لأسعار البترول وأثره على اقتصاد المملكة مستقبلا، وعلى وجه الخصوص ونحن على وشك الإعلان عن تفاصيل الميزانية الجديدة، وقد تكون أرقامها هي الجواب الرسمي. وقد يكون من الضروري أن يتعرف القطاع الخاص على دوره المستقبلي وما هو المطلوب منه، وهل المطلوب من العامة الاستعداد لشد الأحزمة ووضع خطة لترشيد الإنفاق أو توجيه البنوك لضخ مزيد من القروض لمعادلة حركة النمو الاقتصادي وضمان تنفيذ المشاريع أو الاستمرار بنفس المعدل والمستوى لميزانية العام الماضي مع تغطية العجز أيا كان من الاحتياطي، ولا قلق على الاحتياطي، حيث سيغطى مستقبلا بعودة الأسعار إلى الصعود أو المحافظة على الاحتياطي واللجوء إلى القروض الداخلية لسد العجز بالموازنة. الحقيقة أسئلة عديدة تحتاج إلى تصريح رسمي من مسؤولين معنيين عن هذا الموضوع، ولا أعتقد الإجابات الصحفية السريعة كافية للإجابة على العديد من الأسئلة في هذا الموضوع، ولا سيما أن العديد من رجال الأعمال والمواطنين المثقفين لا يعتمدون كثيرا على اجتهادات الكتاب والكتاب الاقتصاديين ويرغبون في الجواب المقنع من المصدر الرسمي ويتطلعون إلى التحليل والتوجيه الرسمي كخارطة طريق لهم في رسم خططهم المستقبلية، ولا سيما أن المجتهدين من الكتاب كثر عددهم في الآونة الأخيرة. ويجد المروجون للإشاعات أرضا خصبة لإشاعاتهم لنشر القلق والخوف على المستقبل الاقتصادي؛ مثل إشاعة تدني سعر البترول إلى خمسين أو أربعين دولارا. أو إشاعة توجيه الدولة بخفض ميزانية المشاريع إلى النصف في العام القادم، حتى لو اعتمدت رسميا وهي إشاعة غير واقعية؛ لأنني أعتقد أن قيمة معظم المشاريع المعتمدة سابقا قد رصدت ميزانيتها خوفا من تقلبات أسعار البترول في السنوات القادمة. وأنا شخصيا لا أتوقع مزيدا من الانهيار في الأسعار؛ لأن أسباب الانخفاض حتما ستزول وسيعود الطلب بعودة ارتفاع النمو الاقتصادي في بعض الدول الصناعية العظمى ليدفع السعر إلى الارتفاع، وأتوقع أن بعض السياسات ستتغير لعدم جدواها أو لانتهاء الحاجة إليها.. والله أعلم.