من النقاد العرب القليلين الذين يشتغلون على الأدب السعودي تحليلا ومقاربة وتفكيكا، عبر منظومةٍ منهجية نقدية تؤاخي بين الجمالي، والرئيوي في الخطاب الشعري السعودي المعاصر . ذلكم هو الأستاذ الدكتور عبد الحميد الحسامي اليمني الجنسية والناقد المعروف في المشهد الثقافي السعودي، والأستاذ بجامعة الملك خالد في عسير. يدلف الناقد المبدع إلى حركة الشعرية السعودية المعاصرة من خلال (50 شاعرا وشاعرة و72 ديوانا شعريا) لأبرز شعراء القصيدة الحديثة، يستجلي مضامينها، ويفكك بنيتها، ويقارب جدليتها وتحولاتها. ويخرج من ذلك كله برؤية نقدية مفادها : أن المشهد الإبداعي الشعري السعودي يمر بتحولات بنيوية يتداخل فيها الايديولوجي بالإبداعي، والجمالي بالرئيوي، والفني بالفني. كما يؤكد أن الإبداع الشعري السعودي في كينونته الخطابية يمارس حضورا عبر مجمووعة من البنى العميقة مثل بنية التفاعل مع المنجز المعاصر عالميا وعربيا، وبنية التفاعل مع التراث عبر الاستدعاء والتمثيل، وبيئة التجاوز على مستوى الرؤية والجمالية. ويرى أن الحركة الشعرية السعودية تستحضر فضاءات إبداعية متجددة حققت لها الامتداد الزمني والفني وتمكنت من تحقيق هويتها الإبداعية رؤية وبنية، ودخلت في ثنائيات المدينة والريف وجدليتها الشعرية. ويخلص الناقد إلى جملة من الملامح التي تميز هذا الخطاب الشعري المعاصر ومنها : أن هذا الخطاب منخرط في أسئلة الحياة وأسئلة الكتابة، كما أن هذا الخطاب يحمل تحولات بنيوية على مستوى البناء الفني اللغوي/الإيقاعي، وعلى مستوى تشكيل النص من خلال التقنية، وعلى مستوى الرؤية الشعرية وتجلياتها. وهذه المستويات الثلاثة تتكامل وتتقاطع في وحدة اندماجية فاعلة ومنتجة. ويذهب إلى أن القصيدة السعودية المعاصرة بوصفها خطابا شعريا تتماهى مع كثير من آليات التجديد والإبداع في الإيقاع ببعديه الخليلي والداخلي، والتفاعل بين النصين العامي والفصيح، وظاهرتي الغموض الدلالي والمفارقة، والتشكيل البصري «الذي أخذ يسم القصيدة المعاصرة ويساهم في إنتاج الدلالة» كما يقول المؤلف. بقي القول إن هذه الدراسة النقدية حصلت على الجائزة الثانية التي يقدمها نادي الباحة الثقافي في مهرجان الباحة الشعري للعام 1435ه . وهي دراسة جادة، متجاوزة، تستحق الوقت الذي يفرغ الإنسان فيها وقته ونفسه لتأملها وقراءتها والمداخلة معها..