ما هي سماتُ المحرّك المعرفي الذي يتحكم بالثقافة العربية ويسيّر أشكالها التعبيرية؟ وما مدى تمثّل القصيدة العربية الراهنة للأشكال التعبيرية الشعرية التي ظهرت مع بداية الألفية الثالثة وتحكّم فيها موجّه فكري هو النمط العولمي بكل هواجسه المعرفية والإيديولوجية والبنيوية؟ وما حضور ثورات الربيع العربي في القصيدة الحديثة؟ وكيف تمثّلت القصيدة النسوية راهنها المعيش؟ هذه الأسئلة وغيرها، مثّلت محور كتاب الناقدة والجامعية الجزائرية آمنة بلعلى الموسوم ب «خطاب الأنساق... الشعر العربي في الألفية الثالثة» الذي فاز بجائزة نادي الباحة الأدبي بالسعودية في دورة العام 2014. انصبّ جهد الباحثة في هذا الكتاب على استشراف آفاق الشعر العربي في مطلع الألفية الثالثة بكل ما فيها من هواجس وطموحات وتحديات فرضتها التحوّلات البنيوية التي عرفتها القصيدة الحديثة وطاولت منها الشكلَ والمضمونَ والدلالةَ وتعدُّدَ أساليب التلقّي والتأويل. وهي تحوّلات أرجعتها الباحثة إلى إكراهات حالة ما بعد الحداثة التي فُرضت على الواقع العربي، وعلى القصيدة منه بالخصوص، وما صاحب ذلك من غموض في الخطاب وتعقّد في المفاهيم وخلخلة للمستقَرِّ من بنيات المنجز الفكري. وزّعت الباحثة كتابها على أربعة فصول تكفّل كلّ واحد منها بتحليل حال من الأحوال التي تعيشها القصيدة العربية الحديثة؛ حيث نلفيها في الفصل الأول المعنون ب «تلقي الشعر العربي المعاصر - من المحايثة إلى التأويل» تركّز جهدها البحثيّ على تعرّف طرائق تعاطي النقد العربي مع الشعر من حيث تلقّيه وتأويله، واختارت الباحثة نصوصاً من الشعر السعودي والشعر الجزائري عيّنةً أجرت فيها تحليلها النقديّ. وحمل الفصل الثاني عنوان «مسؤولية التحديث في الشعر العربي المعاصر في الألفية الثالثة: بين سؤال التقنية وسؤال الهوية» وفيه عاينت الباحثة مظاهر خطاب الأنساق في الشعر العربي المعاصر عبر نموذجيْن رأت آمنة بلعلى أنهما يعبّران عن طبيعة انخراط الشاعر العربي في منظومة الإبداع الجديدة وهما الأدب الرقمي وشعر الهايكو العربي. الفصل الثالث «الرؤية الحداثية في الشعر العربي في الألفية الثالثة: شعر الثورات العربية وخطاب الشاعرات» خصّصته الباحثة لتوصيف إكراهات الواقع العربي وإفرازاته وأثرها في الرؤية الشعرية وذلك عبر البحث في كيفيات تمثّل الشعر للثورات العربية من جهة، ومن جهة أخرى تحدّثت الباحثة عن التمثّل الشعري للواقع وتغيّراته في نصوص شعرية نسائية. وتكفّل الفصل الرابع من الكتاب والمعنون ب «الحداثة لدى شعراء الباحة بين سؤال التشكيل وسؤال المعنى» بمعاينة الحساسية الشعرية التي تجسّد طبيعة النسق الشعري لشعراء الباحة، من خلال نموذجين يمثلان توجّهين في الكتابة الشعرية في المملكة العربية السعودية هما علي الدميني، وصالح الزهراني. وفي كل فصول الكتاب اجتهدت الباحثة في التدليل على أن لقصيدة الألفية الثالثة رؤية فكرية وجمالية تتجاوز جماليات شعر الحداثة التي اختزلت الظاهرة الشعرية في مقولات الشعرية وجهازها المفاهيمي القائم على إقصاء الشعر من المنظومة المعرفية الكونية للأنساق، وذلك من خلال آليات قراءة أبعدتها عن المجال التداولي العربي. وعليه، فقد دعت إلى ضرورة إعادة الشاعر النظر «في طريقة كتابته، والانخراط في وسائط التكنولوجيا الجديدة والتفاعل مع الآخر، والتنازل عن كثير من القناعات الإبداعية التي تعوّد عليها، لكي يضمن التواصل الإيجابي والمشاركة في الفعل الثقافي العالمي، فينتقل من خطاب النسق الأحادي إلى خطاب مركّب متعدد هو خطاب الأنساق الذي يفرض على الإنسان العربي، والشاعر العربي، الانخراط في معرفة مركبة يفرضها النموذج العولمي، والانفتاح على إمكانات إبداعية وثقافية متعددة، قائمة على وعي بما يحدث في العالم من تحولات معرفية وثقافية، حتى لا يصبح الانخراط مجرد حالة سلبية تفرضها سلطة النموذج وهيمنة ثقافة العولمة، وتحولات ما بعد الحداثة». يذكر أن الجزائرية آمنة بلعلى المولودة عام 1961 هي أستاذة التعليم العالي في جامعة مولود معمري - تيزي وزو. من أهمّ كتبها النقدية كتابَا «تحليل الخطاب الصوفي في ضوء المناهج النقدية المعاصرة» و«المتخيّل في الرواية الجزائرية».