أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح آل طالب أن كل شخص عليه أن يدرك أن أمن بلاد الحرمين هو أمن لكل مسلم على وجه الأرض، وأنه لا مساومة على أمن المملكة تحت أي ظرف ولأي سبب، حيث وصل الوعي بحمد الله لمواطني هذا البلد إلى إدراك المؤامرات التي تستهدف وحدة هذه البلاد وأمنها، وأن الأعداء يستخدمون الإرهاب وإحداث الفوضى لتحقيق مآربهم ويغررون بالسفهاء لتنفيذ مخططاتهم. وقال، في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس: «لا يدرك الواقع من لا يدرك التاريخ، فمنذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام في ظهور وازدهار، والمسلمون في اجتماع وتآلف، سار على ذلك خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل ذلك المسلمون شرقا وغربا وبنوا حضارة ومجدا، أغاظ ذلك الأعداء الذين عجزوا عن هزيمة المسلمين في ساحة المعارك، فلجأوا إلى هدم بنائه من الداخل، وكم حفل التاريخ بوقائع وحوادث أثارت الفتن وفرقت الأمة أوقفت الفتوحات وثلمت في الإسلام جراحا ما زالت أثارها تنزف». وأضاف أنه ومع هذه الصورة المظلمة ما زالت تتكرر في زمن الفتنة، فيسعى المأجورون للإيقاع بين الفرقاء من المسلمين فيحدثون حدثا هنا وهناك ويوهمون العامة من كل فريق أن الآخرين فعلوا بهم ذلك، فتظهر العداوات وتتأزم النفوس وتشتعل الحروب وتخرب الديار، مبينا أن ديار المسلمين بليت بالآونة الأخيرة بوقائع مؤلمة وما زالت بلادهم تصطلي بنارها، وليس غريبا أن يطرق الأعداء كل سبيل دنيء، والعتب كل العتب أن ينزلق المسلمون في وحل الفتن ويتراشقون التهم والتجريح ثم تشتعل بينهم نار لا تنطفئ فلا يستفيدون من التجارب ولا ينظرون للعواقب. وأشار إلى أن أعظم الفتن التي في مثل هذه الأحوال الطرح الهزيل المنهزم بين كل العامة والخاصة، فيعودون على كل قيمهم ومبادئهم بالاتهام والتشكيك ويشيعون بأن منهج أهلهم الذي سموا به عقودا هو سبب الفتنة ويتطاولون على النظام الذي قامت عليه دولتهم وهو سر بقائها. وقال آل طالب إن منهج المملكة منذ قامت في مراحلها الثلاث شريعة ونظام وتدين ودستور لم ينتهك حق طائفة أو يلجأ صاحب معتقد، ومنذ قامت هذه البلاد وفيها مواطنون يعتقدون مذاهب مخالفة لعقيدة الغالب من سكانها حفظت لهم هذه البلاد خصوصيتهم، فلم تلجئهم لمعتقد أو تهجرهم الأرض على نحو لم تفعله حكومات علمانية في بلاد المسلمين ولم تفعله بلاد كان المسلمون السنة أقلية فيها، ولما رأى الأعداء هذا التوافق وهم الذين حسبوا هذا التمايز خزان بارود يمكن أن يستغل، خصوصا وقد جربوه في دول الجوار ونجحوا، فراموا العبث بهذا المفصل في شرق البلاد فخابوا، وتأملوا إيقاع الفتنة بين الناس فخسروا ورد الله كيدهم وكفى المسلمين شرهم وباؤوا بدم حرام سفكوه وبجرم عظيم انتهكوه، فلم يحقق الله لهم غاية وكانوا لمن خلفهم عبرة وآية. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن لهذه البلاد تجربة رائعة في التسامح والعدل ونبذ التعصب والإقصاء، وهو مبدأ نشأ معها لا ينكره إلا من يتنكر لمبادئه، فقد أرسى الملك عبدالعزيز آل سعود قواعد هذه الدولة وحكمها نصف قرن من الزمان وهو في قوته وقوة دولته، ومن بعده أبناؤه الملوك فلم يؤثر أبدا أن هذه الدولة وهي في عنفوانها وقوتها أكرهت أحدا على دين أو تعصبت ضد أحد بناء على عقيدته أو طائفته، ولا يوجد في النظام أو التطبيق ما يشير إلى تميز في الحقوق لعرق أو طائفة، ومنذ أن تأسست الدولة وحتى اليوم وقد دخلها للتجارة أو العمل مئات الآلاف أو الملايين ممن ينتمون إلى أديان أو طوائف، وبعضهم أقام سنين فلم يتعرض واحد منهم لشيء يخص معتقده أو مذهبه، خصوصا في عصر الاتصالات الحديث. وأضاف أنه خصوصا مع قدوم سبعة ملايين بين حاج ومعتمر كل سنة عدا الوافدين للسياحة والعمل والتجارة، فلا يرى أي قادم فارقا في العبادة بين ما يجري بالمملكة أو غيرها، بل إن من أعظم إنجازات هذه البلاد إنهاء التعصب المذهبي الفقهي بعدما كان المسلمون يصلون خلف أربعة أئمة متفرقين بالمسجد الحرام يتوزعون بينهم عند إقامة الصلاة حسب مذاهبهم صاروا يصلون خلف إمام واحد يتحرى بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم دون الالتفات إلى الانتماء المذهبي. وأشار إلى أن الزائرين إلى الحرمين الشريفين يسمعون ويرون المدرسين في الحرمين عند تقرير الدروس وهم يذكرون مذاهب الأئمة الأربعة احتراما وتبجيلا لكل منهم وعدم التفريق بينهم ويختارون من كتبهم ما يرونه أنسب للطالب أو التقرير لموضوع مناسب من أي كتب المذاهب الأربعة وكتب العلماء المعتبرين، وإذا أفتى المفتي لا يتقيد بمذهب من مذاهب أهل السنة وإنما يختار ما يعتقد أنه أرجح دليلا، كما أن القاضي لا يلتزم بمذهب معين فإذا قضى بالدليل بما يوافق أحد الأئمة، فلا يمكن أن ينقض حكمه بسبب اختيار ذلك المذهب، وعندما شكلت هيئه كبار العلماء لهذه البلاد كانت تضم علماء ينتسبون إلى المذاهب الفقهية الأربعة، وما زالت كذلك منذ أكثر من أربعين عاما، وفي جامعات المملكة تكتب الرسائل والأطروحات في الفقه فتعالج القضايا والمسائل والمذاهب الفقهية بدون تمييز من جهة الإجلال والاحترام للعلماء، وإنما يرجح الباحث من الأقوال ما يراه أقوى دليلا، بل إن لجامعات المملكة إسهاما ضخما في تحقيق تراث المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وخدمت كتب هذه المذاهب دراسة وتأصيلا وتحقيقا بصورة لم يسبق إليها مثيل، مشيرا إلى أن هم أهل الفكر والإصلاح في هذه البلاد مقاومة كل حركة رجعية لإحياء التعصب المذهبي حتى لا يعود مرة أخرى. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الحركة العلمية في هذه البلاد مذ تأسيسها قد نجحت حتى اليوم في ربط الناس بالدليل واتباع الوحي ونبذ التعصب، فيقدم القادمون إلى المملكة فلا يرون مذهبا خامسا، ولا دينا غير الدين الذي يعرفونه، ولا تفسيرا خاصا للإسلام، تنقل الشعائر والصلوات وخطب الجمعة بكل وسائل الإعلام المتنوعة إلى أصقاع الأرض فلا يرى أحد أن في المملكة طريقة في الدين مختلفة، ولا يسمعون قولا أو يرون فعلا يختلف في الدين عما كان عليه أهل السنة طوال العصور، مبينا أن ما تختلف فيه هذه البلاد عن غيرها هو ترفعها عن الخرافات والبدع وتحريها دين الله الصحيح كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وإن شذ فرد أو أفراد فلا يجوز تحميل الأمة كلها تبعة شذوذهم. وقال آل طالب ألا يخجل المتخاذلون من أن يتهموا مجتمعهم وجامعاتهم ودينهم ودولتهم بالتعصب والتطرف، أو يتهموا منهجهم بإفراز الطائفية والتطرف، وأن هذا الحيف بالاتهام هو الذي يفرز التعصب والتطرف ويوغر الصدور ويؤلب الأعداء، وطعن أبناء هذه البلاد بمناهج التعليم وعودتهم باللائمة على دينهم ونظام بلدهم هو خطأ في النظر وقصور في التفكير وانهزام في الروح، فلم تحفظ الدماء وتصن الحقوق كما حفظت في وقت كان ما اتهموها به في أوجه، وما عابوه عليها في قوته، وإنما كثر الهرج والمرج حينما علا صوت المشككين وكثرت سهام الطاعنين، وقد علم الناس ونطق الأباعد قبل الأقارب بأن أكثر أفراد الجماعات المتقاتلة في بلاد الاغتراب هم من بلاد تحكمها العلمانية وتتحكم في مناهج التعليم فيها، فعيب على من يزايد ويستغل مصاب وطنه فيسل قلمه ويسلق بلسانه حكاما وعلماء وأنظمة ومناهج وتناسوا أثر الشريعة في إصلاح الدنيا والدين ونالوا علماءها الأجلاء الأحياء منهم والأموات في نكران للفضل ولؤم في النقد وخبث في الطرح، وقد كان الطعن في العلماء جسرا لما بعده فنالوا الشريعة بمجملها واختفت لغة التفريق بين اليقيني والظني وصارت المطالبة بحصار الشريعة والتضييق عليها من أصل مبدئهم. وفي المدينةالمنورة، تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن الحذيفي عن حرمة قتل النفس، موصيا المسلمين بتقوى الله عز وجل حق التقوى. وقال، في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: «اعلموا أن الله شرع الطاعات وحرم المحرمات والموبقات وبين مفاسدها وشرورها وأضرارها وجعلها درجات، فأعظم المحرمات الشرك بالله تعالى وهو الذنب الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة، ثم بعد الشرك جريمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فجريمة قتل النفس عار وخسار وخلود في النار». وأوضح أن قتل النفس عدوان على الإنسان وظلم للقاتل والمقتول وفساد كبير في الأرض ونشر للرعب والخوف وخراب للعمران وندامة تتعاظم في نفس القاتل في الدنيا والآخرة، والقتل يهلك الحرث والنسل، مشيرا إلى عظم قتل النفس، وأكد أنه مهما كان من أسباب فتبقى الدماء المعصومة محظورة موصونة لا يحل سفكها، مبينا أن للجهاد أحكامه وأدلته المحكمة العادلة الصريحة التي لا تغير ولا تبدل والإذن فيه للإمام؛ لأنه مسؤول عن مصالح الأمة والمعني بهذا الشأن والقادر على معرفة الأحوال وتقدير الأمور.