كانت الحياة في طفولتي حلوة .. لأنني لم أكن أعرف الموت ... وكانت في الماضي حلوة أيضا لأنني تصورته بعيدا ... أما الآن وقد اقترب فإنه يفسد حياتي كلها .. فما بقي منها لا يمكن توقعه وأما ما فات فهو يهون مادام سينسى... وما أشق المرحلة الأخيرة من الحياة لولا الذكريات التي ترسب في أعماقنا.. وتعيد علينا سير الليالى التي انطوت. عندما تشرف الحياة على نهاية رحلتها .. ويضمر ما انسلخ من أعوام في ذكرى تعبر في لحظة .. وعندما تبرد بالقدم دموع الماضي وتصبح بسماته بلا بريق.. ثم يخبو بالموت ما بقِي .. لكم أتساءل يومئذ عن جدوي وجودي وقد أسفر عن لا شيء ..حلمت بركوب الأثير والهبوط في أرض جديدة وبمن استقبلني فيها من موتى من سنين عديدة إذا حان وقت سفرك يا نفسي للسماء البعيدة.. فرغ العمر وقريبا ألقاك ربي الغفور الرحيم.. ولقد أذكر يومئذ منسيات عدة حجبتها الحياة عن ذاكرتي فأذكر أنني كنت قبسا يخفق في شعلتك المقدسة .. أو نغمة تسبح في نشيدك العلوي.. وما أروع بعد الغربة الملتقى وفي دفئه نذوب حنينا .. لكن ترى أأذكر حديث دنياي وهي وقد عشتها وصارت مني ؟؟. ألا أطو ِ يا قارب الحياة شراعك .. ثم أهو ِ إلى القاع واسكن الظلمات .. لا.. لن تعود تتأرجح فوق الموج وظِل شراعك يتيه عليك ولا يشجيك خريره وأنت تشقه شقا ... ولا تمر في تجوالك بضفاف جديدة وتتفيأ ظلالا جديدة وتنشق عطورا جديدة أو ترى طلائع مرساك في أوبتك. ستحجب الظلمات كل ذلك عنك حين تلفك الأعماق ... لا..لا..لا. لا تحبسونني بعد موتي في قبر مظلم واتركوني للرياح تذرو جثتي لأظل في الضوء .. أو للجوارح تنهشها وتطير إلى التلال .. أو ضعوها رمادا في قنينة بلورية ... لا تحولوا بيني وبين النور أبدا ... لولا علمي بخلود روحي لروعني الموت.. ولولا علمي هذا ما فزعت من رهبة القبر.. أكان الأفضل أن أعلم أم لا أعلم ؟؟؟.. لا أدري. بدور علي