كم على سفح النفوذ في جزيرة العرب سالت دموع، وكم كتبت عاشقات من سطور تذروها الرياح (كعاشق خط سطراً في الهوى ومحا..) كما تقول أغنية فيروز.. إنَّ المرأة أقوى عاطفة من الرجل، وأشدُّ حساً، فهي كتلة من العواطف المتأججة، وهي أيضاً.. غالباً متطرفة.. تحب بعنف.. وتكره بعنف.. وقد ظل المجتمع العربي مئات السنين.. ولا يزال - وإن كان الضغط خف قليلاً - يراقب المرأة أكثر بكثير مما يراقب الرجل، ويحاسب المرأة أضعاف محاسبته للرجل، والغيرة محمودة ولكن بشرط ألا تتجاوز الحدود وتتحول إلى مرض.. من يصدق أن أعرابياً في العصر الأموي هو (عقيل بن علفة) شهقت ابنته وهي تأكل داخل بيت الشعر، فسمعها وعنده ضيف خارج البيت، فدخل عليها شاهراً سيفه يريد قتلها لولا أن منعته أمها.. وعقيل هذا نفسه همّ بقتل ابنته حين أنشدت بيتاً من الشعر وهم سارون في الصحراء لا يوجد بينهم غريب، فقط عقيل وأبناؤه وبناته، فسلّ سيفه عليها ولكن ابنه منعه بأن اطلق سهماً على ذراعه لأنه لا يوجد فرصة للمفاهمة فقد كاد عقيل يهوي بالسيف على ابنته لمجرد إنشادها بيتاً من شعر الغزل لم تقله هي، ومع أنه لا يوجد غير أهلها، ولكنها الغيرة المفرطة، ولعقيل هذا أخبار عجيبة في كتاب (الأغاني) وغيره.. ولماذا نستشهد بعقيل هذا؟.. العرب في الجاهلية كانوا يئدون بناتهم.. يقبرونهن وهن على قيد الحياة والعياذ بالله، وكانوا يقولون: «نعْمَ الصهر القبر»!.. لهذا فإن كوابح المجتمع كتمت دوافع العاطفة عند المرأة العربية مئات السنين، حتى إننا لم نظفر بشعر غزل نسائي كثيرا إلا لدى الجواري، أما الحرة فيجب أن تموت وجهها مكبوت ولسانها مغلول ولو كانت مبدعة وقلبها يغلي بالعواطف ويريد أن يطلق براكين الشعر.. فالموت أمامها لذا تلزم السكوت! ٭ ٭ ٭ ومع كل تلك الحواجز والموانع الاجتماعية فقد تسربت إلينا بعض الأشعار النسائية العاطفية، منذ القدم، فمهما قويت العوازل فإن أمطار العواطف المتواصلة تخترقها ولو ببضع قطرات.. أما في العصر الحديث فقد خف الضغط كثيراً، وعبرت نساءٌ كثيرات عن عواطفهن بشعر صادق، سواء قلن ذلك بالفصيح أو الشعبي، بالاسم الصريح أو المستعار، فإن الصوت الأنثوي واضح في العبارات، وإنَّ طابع المرأة مختوم على تلك الأشعار.. والآن نختار لك - أخي القارئ الكريم - بعض الأشعار النسائية العاطفية، بعضها من الشعر الفصيح، وبعضها من الشعر الشعبي.. وهي تُعَبِّر عن عواطف عفيفة وإن كانت فوارة في بعضها، وحتى فوران العاطفة في شعر الرجل أو المرأة، لا يدل بالضرورة على حُبّ محدد، فقد يكون المراد هو (الحبيب المجهول) والذي طالما ألهم الشعراء والأدباء، لأنهم يرسمون له في خيالهم صورة رائعة تفوق الخيال، ويستمدون منه الإبداع والإلهام، وذلك بأن الشاعر والشاعرة كثيراً ما يحبون شعرهم نفسه ويذللون له خيالهم فيجنحون إلى حبيب مجهول يسافرون له، وبه، إلى جزائر الحب والجمال والأحلام.. والآن إلى بعض المختارات من الشعر النسائي.. يا رَشَا يا فَوْعَةْ الغلِّي يالمخدَّجْ في عناقيدهْ انتَ لي كلّكْ وانا كلِّي بَيْنَّا يمشي الهوى سيْده ما نحب الحب يختلِّي مثل ما تبغونه انريده ذاك حكم الفَنّ يا خلّي والهوى عسره مصاعيده منْعميْن إبَّارد الظلِّي يوم قلبي في توجِّيْدهْ حاليه من صدّك اعتلِّي لا تهَوَّنْ به ولا تزيدهْ سيدي يا كاملَ الدِّليِّ يا حبُّوبَ القلب لمفيده كم جاملتوا على ذليِّ يوم روحي عندكم صيده يوم حبّه في الحشا حَلِّي شلّ قلبي من إساويده ذاكْ لي به منتهى حلِّي عاشْ لي بأيام اسعيده (فتاة العرب) «يا مَنْ ملك فيني رفيقات الاشواقْ ويا من عليه اشقيتْ روحي وحالي أهدي صدى ذكراك من كل الاعماق واللي كتبته لك بسود الليالي واهديك ما سجَّلت في بيض الاوراق من ذكريات، ومن عذاب بقى لي» «أغاريد السعودية تُقَدِّم ديوانها صدى الذكرى» «آه.. تلوتُ في فمي الآه هل كُنْتُ في نعميَ لولاهُ؟ أو كنتُ ألقى في الدُّنَى رجلاً يحظى بنَزْر من مزاياهُ؟ استل كُلَّ شجاعة الأنثى لأكون نفسي حين أَلْقاهُ!» (هدى ميقاتي) «غرامه ربى في داخلي وانتشر بالحيلْ من الصغر حبه في حشا النفس منْغَرْسي أنا في نظر عيني حشا ما سمعتْ القيلْ اهْو حاضري ومستقبلي وباكري وأمسي جرحني مثل جرح الثرى من غزير السيلْ رماني مثلما ينرْمَى باليَ الِّلبْسي يا ويلي عليه اليوم.. ويل يجر الويلْ عقب صاحبي كنْ القدر معلن حَبْسي فلا عدتْ اميِّز يا عرب بالعدل والميلْ خياله تابعني من الصبح لين امسي» (عابرة سبيل - ديوانها) «تعالَ لنَحْلُمَ إن المساءَ الجميلَ دنا ولينُ الدُّجى وخدود النجوم تُنادي بنَا تعال نعيد الرُّؤى وَنُعدُّ خيوط السنا ونُشْهدُ مُنْحَدرات الجبال على حُبِّنا (نازك الملائكة - من ديوانها) «حظك انِّي أحبك!.. وشلون ضيعت الطريق وضيعني قلبك لو انّ جرحي يهون، والدوا دمع العيون.. لك بكيت العمر كله.. انت قلبك حجر خالي من الحياة وانا قلبي يسع هذا الكون كله وحظك أنِّي أحبك!!» (مليحة القودي - بقايا كحل من عيون سود) «تغار عليَّ لكن لستَ تبْدي وتحسَبُ أنَّهُ ضَعْفٌ.. وذُلُّ ويحلو أن تغارَ عليَّ حُبّاً كأنيِّ ليس لي في الكون مثل!» (روحية القليني - ديوانها)