أشد ما يمكن أن يحدث على فكرة الكتابة بشكل مفتوح، أن تتناولها وأنت في ثياب الوجع وإهاب الصدمة. أشد ما يحز خاطرك تعبا ويملأ جوانحك انصعاقا أن تنظرها بجانب مأساة أخذت بمجامع القلوب والعيون. هل نتحدث عن الخطأ وأسبابه؟ أم نناقش المشاكل المشابهة والمفتوحة بانتظار الضحايا؟ لم أجد ما أنتهي إليه من تفكير حول تكرار ما يحدث رغم كل الإمكانات المتاحة. لم أجد ما أنتهي إليه أمام خبر الفقيد علي منشو وطفله محمد جعلهما الله في مستقر رحمته وحكاية حفرة الصرف الملتفة بين الحدائق وأمام الشارع العام. أستطيع أن أخرج إلى حكايات مشابهة وحكايات يمكن أن تروى، أستطيع أن أعرض مشاهد لمثل هذه القصص والمآسي، أستطيع أن أعدد أسماء من راحوا ضحايا التقصير والفساد، لكني لا أستطيع أن أستشهد بقضية واحدة انتهت بإدانة بشكل سريع. لا أستطيع أن أستشهد بموقف حقيقي للاعتراف بالتقصير والاستعداد للمواجهة. حادثة صريحة الألم وظاهرة الاستهتار واللامبالاة، يقابلها معمعة تكبر عن المرجعية التي تتحمل الخطأ وتستحق المحاسبة، وكأنك ترى نظاما جديدا يتبلور في غضون ساعات من أجل أن تتوزع الجهات المدانة وتتسع الاحتمالات وتطيش داخل صحائف البيانات الرسمية. يخطر ببالي الآن من تقع عليهم المسؤولية المباشرة، أكاد أراهم وهم يتنفسون بشكل جيد، ويمارسون يومهم المعتاد براحة واستجمام، ويجتمعون فيما بينهم وعلى مكاتبهم الأثيرة لتناول المشاهد التي حدثت من قبل وأغرقت مدنا وأخذت أرواحا، وأن ليس في هذه القصة جديد يستدعي القلق أو الارتباك. نعم أكاد أراهم دون وجل وخوف، ودون انخطاف وترقب، يحملون هندامهم بشكل سريع لأول مواكب التعزية.. متحدثين عن أشياء كثيرة تفتقد حراك ال نزاهة!