يروي طبيب أو لعلها طبيبة القصة الآتية: «ذات صباح مشحون بالعمل في غرفة الطوارئ بالمستشفى وفي حوالى الساعة الثامنة والنصف دخل عليَّ عجوز يناهز الثمانين من العمر لإزالة بعض الغرز من إبهامه، وذكر أنه في عجلة من أمره لأن لديه موعداً في التاسعة. طلبت منه أن يجلس على الكرسي المخصص لإجراء الغيار على الجروح وتحدثت قليلا ًوأنا أزيل الغرز وأهتم بجرحه، سألته عن طبيعة موعده ولِمَ هو في عجلة من أمره، أجاب: كل صباح أذهب إلى دار الرعاية لتناول الإفطار مع زوجتي، فسألته عن سبب دخول زوجته لدار الرعاية؟ فأجابني بأنها هناك منذ فترة لأنها مصابة بمرض الزهايمر (ضعف الذاكرة)، وبينما كنا نتحدث انتهيت من التغيير على جرحه، وسألته: وهل ستقلق زوجتك لو تأخرت عن الميعاد قليلاً؟ فأجاب: إنها لم تعد تعرف من أنا، إنها لا تستطيع التعرّف عليّ منذ خمس سنوات مضت، فقلت مندهشاً: ومازلت تذهب لتناول الإفطار معها كل صباح على رغم أنها لا تعرف من أنت؟ ابتسم الرجل وهو يضغط على يدي وقال: هي لا تعرف من أنا، ولكنني أعرف من هي». يواصل الراوي: «اضطررت لإخفاء دموعي حتى رحيله وقلت لنفسي هذا هو نوع الحب الذي أريده في حياتي». انتهت القصة، وقبل أن تفرح النساء بوجود رجل مثل هذا، أفيدهم أنها مترجمة، بمعنى أن هذا الحب النادر، من رجل نادر، موجود هناك في البعيد خلف المحيط، وهو إن كان موجوداً هنا، فغالباً هو بعيد المنال. إنه يعرف جيداً من هي، هذه هي الحكاية، أمثولة العطاء، كان متبادلاً، ثم أصبح من طرف واحد، ربما يوازن به تقصيره الماضي، وربما يجد فيه إنابة عنها في الوفاء، فمعنى اثنين في واحد الروحي الرومانسي الجميل، لا يفقهه إلا من يعيش إحساسه، ذلك الإحساس الذي لا يمكن تأطيره، أو تحجيمه، أو ربطه بالعلاقة الرسمية، أو السياق الاجتماعي، ولا يمكن حلّه بوجود عذر شرعي، أو بانتهاء الحالة العقلية، أو الجسدية لتوأم الروح. نتمنى الحب في حياتنا، بالأشكال التي نقرأ عنها، حتى لو كانت من بنات أفكار عاشق أو عاشقة يريد فقط إشاعة مفهوم عميق ومؤثر لعلاقة الحب، أو يرسم لنا خياله بالكلمات والصور والمشاهد المبدعة، نتمنى، وبعضنا يسعى لتحقيق الأمنية، وغالبنا لا يستطيع إما لأنه لا يعرف، أو لأن القيود والرغبات والأفكار أشد سطوة عليه من هذه الأنغام التي تدندن بها جوانحه، فيكبس زر «ميوت» عليها، ويظل يراقب مشهد روحه وهي تروم إلى ما تستحق، فلا يطلق لها العنان، ليسحق أشياء جميلة يمكن أن تساعده، أكاد أجزم أنها ستساعده ليعرف جيداً من هو. [email protected]