كنا نظن أن الفساد هو ذلك التصرف الذي يسرق صاحبه الأموال العامة ويستهتر بأداء (أمانته) فيؤخر البلاد والعباد. لكن اتضح، بعد حادثة حفرة شارع التحلية بجدة، أن هناك فسادا أكبر يحول الشوارع إلى مقابر يدفن فيها الأطفال وآباءهم وأمهاتهم. لم يخطر ببال أحد منا، ولا في أحلام يقظة الفساد، أن يخطف الموت أبا وابنه لأنهم كانوا يتبضعون، أو يمرون، في شارع عام. لقد أثبتت هذه الحادثة أن الفساد، إذا تفشى وطغى، فإنه يتلون في صور شتى. وأن الفاسدين وعديمي الضمير يمرون من أمام (معالم) فسادهم ولا يعيرونها انتباههم؛ لأن لا الخوف من الله ولا الخوف على الناس في وارد اعتباراتهم ومسؤولياتهم. ولذلك كانت تحذيراتنا خلال سنوات طويلة بأن ترك الفاسدين يعيثون على هذه الصورة ويرتكبون خطاياهم دون محاسبة وعقاب علني صارم سيؤدي إلى كوارث لا يعلم أحد حدودها وآثارها. وها نحن كمجتمع نصاب بالحزن الشديد على ضحيتي فساد غير متوقع، من غير أن نعرف إلى الآن من سيدفع ثمن موتهما المجاني المؤسف، ومن سيجر من رقبته إلى طاولة التحقيق والمحاسبة؟! نحن نرى الآن تقاذف كرة فساد الحفرة القاتلة بين المتهمين ومحاولة كل منهم، في سعي مبكر وحثيث، أن يتنصل من مسؤولياته ليتجنب تبعات هذا الاستهتار البالغ بسلامة الناس وأرواحهم. وما يريده الناس، وأسرة المغدورين بالذات، أن تشفى قلوبهم من الذين تسببوا في سقوطهم وموتهم بهذه الطريقة، حيث لن يكون مقبولا أن تذوب قضية فساد كبرى كهذه تحت وطأة التهرب من المسؤولية أو تحت وطأة (الفزعات) المتوقعة للملمة الموضوع؛ لأن المتسبب فلان أو فلان. تعاملنا مع الفاسدين، إذا أردنا اطمئنانا وسلامة دائمة، يجب ألا يفرق بين فاسد كبير واصل وفاسد وصغير لا ظهر ولا حيلة لديه يحتال بها علينا. الفاسدون سواء في انعدام ضمائرهم واستهتارهم بمسؤولياتهم، وفساد الحفرة، الذي سيؤرخ نظرا لسوداويته، يتطلب أن يسمع الناس كلاما مفيدا وعقابا ناجزا في حق أي كان، طالما هو المتسبب.