أعادت عدد من مقاطع الفيديو حول وجود حجاج مفترشين في أحد متاجر التسوق بالقرب من منى وفي دورات المياه في مزدلفة، ظاهرة الافتراش إلى الوجود بشكل لافت خلال موسم هذا العام الذي كان ناجحاً بكل المقاييس، وساهم وجود أكثر من نصف مليون حاج غير نظامي خلال الموسم حسب تأكيدات أحد المسؤولين في وزارة الحج في بروز هذه الظاهرة. كيف يمكن القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها على أقل تقدير؟ سؤال طرحته «عكاظ» على عدد من المختصين، أكدوا أنه يمكن مواجهتها بإنشاء هيئة متخصصة من وزارتي الداخلية والحج تعنى بمكافحة الافتراش وسن قوانين تردع من يسلك هذا السلوك غير الحضاري، مع تخصيص مساحات على سفوح الجبال وإنشاء مخيمات فيها لاستيعاب المفترشين وتخفيض أسعار الحملات بما يتناسب مع دخل العمالة الوافدة ومحدودي الدخل. «عكاظ» استطلعت آراء عدد من المختصين لتسليط الضوء على هذه الظاهرة من حيث أسبابها وكيفية القضاء عليها أو الحد منها على أقل تقدير. قال وكيل وزارة الحج لشؤون الحج الدكتور حسين الشريف: «إن افتراش الحجاج في المشاعر المقدسة خارج عن سيطرة الوزارة لم تتلق أي شكوى من أي حاج فيما يتعلق بالمقاطع التي تم تداولها حول ظاهرة الافتراش»، مضيفا جميع الخطط التي وضعتها الوزارة بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة بخدمة الحجاج ومؤسسات الطوافة، قد نفذت على الوجه الأكمل والذي تحقق معه نجاح موسم الحج لهذا العام. من جهتها قالت المطوفة فاتن بنت إبراهيم محمد حسين: «تبذل حكومتنا قصارى جهدها لتوفير كل سبل وأسباب الراحة للحجاج، مع استفادتهم من المشاريع الجبارة والإنجازات التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، إلا أن الافتراش يعد ظاهرة مشوهة للوجه الحضاري للإسلام والمسلمين في الحج، وينتج عنه ازدحام وتكدس وإعاقة للجهات الأمنية والخدمية في تنفيذ خططها وأهدافها لتقديم الخدمات في الوقت المناسب»، مشيرة إلى أن الافتراش يكون عادة إما لجهل وغياب الوعي أو استغلالا للتعامل الإنساني من قبل الجهات الأمنية في مواسم الحج. وأضافت لعل أكبر معضلة تواجهها الأجهزة الأمنية والخدمية هو التسلل لأداء الحج دون الحصول على تصريح رغم كل ما يبذل من الجهات الأمنية وخاصة الجوازات من جهود للسيطرة الأمنية على المنافذ الرئيسية المؤدية إلى مكة وإعادة الآلاف من المقيمين ومخالفي الإقامة وعدم السماح لهم بالعبور، تنفيذاً لقرار منع الحج دون تصريح، ورغم إطلاق وزارة الحج لبرنامج الحج المنخفض التكلفة وتحديد الأسعار ووضع فئات أسعار مختلفة تناسب كافة المستويات، إلا أنه لا زال هناك تسلل من المقيمين عبر المنافذ المؤدية إلى المشاعر إضافة لقاطني مكة ومن يقيمون بها، إلى جانب المعتمرين الذين يمددون بقاءهم إلى الحج رغم عدم حملهم التصاريح، وهؤلاء جميعاً يضطرون لافتراش الطرقات وتحت الجسور، ويكون نتيجة ذلك إعاقة الحركة وإحداث إرباك كبير للجهات المعنية بل ومزاحمة الحجاج النظاميين، وهذا العدد من المفترشين رغم أنه قل كثيرا عن السنوات الماضية إلا أنه لا يزال يشكل ثغرة في نجاح الحج. التوعية بخطورة الافتراش وأكدت أن التوعية لم تصل إلى حد وجود الرقيب الداخلي للفرد لمنع نفسه من أداء الحج بدون تصريح، مضيفة لو كانت هناك توعية كافية ومن كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وبكل اللغات مثل الإندونيسية والأوردية والفلبينية والحبشية قبل الحج، لقل معدل الافتراش، مشيرة إلى أهمية إرسال رسائل توعوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتعريفهم بما أكده الأئمة وعلماء المسلمين ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء على أن أداء فريضة الحج دون تصريح خروج على ولي الأمر، وأن من يفعل ذلك أراد نافلة فارتكب محرماً وأنه لابد وأن يتقيد الإنسان بالسمع والطاعة ويستجيب لقرار ولي الأمر. قوة متخصصة لمنع الافتراش وأبانت أن الحلول لمواجهة الافتراش تتمثل في إنشاء قوة تنظيم المشاة متخصصة بمنع الافتراش وبمساندة من المسؤولين في الإمارة والأمانة في منى وعرفات، وتخصيص مساحات على سفوح الجبال والإفادة منها لإنشاء مخيمات ومبان تستوعب المفترشين ويمكن تهيئتها وتكون بالإيجار اليومي، مع تخصيص أجهزة استقبال وكوادر بشرية ورقم حساب موحد لدفع أجرة المكان، مشيرة إلى ضرورة نشر فرق ميدانية لإزالة المباسط العشوائية ومنع الباعة المتجولين من المتخلفين، والتنسيق مع الأمانة لتحديد أماكن بيع المواد الغذائية في أماكن بعيدة عن حركة الحجاج لتقليل الحشود والتجمعات، والتنسيق بين الجهات الخيرية في توزيع الوجبات ومراقبة المنافذ من وقت مبكر في الحج ومنع دخول المتسللين ومخالفي نظم الإقامة. من جهته يقول المستشار الأكاديمي والإداري بجامعة سلمان بن عبدالعزيز عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى الدكتور عبدالله بن محمد آل تميم «الحج فريضة إيمانية عظيمة يجب أن تكون خالية من فوضى الافتراش وإيذاء الآخرين، وقد حث الله جل وعلا على تعظيم شعائر الله وأنها من تقوى القلوب إضافة لعلو شأن دين الإسلام وأنه دين حضاري يحض على الرقي في السلوك والنظافة»، مشيرا إلى أنه يتعين البحث عن وسائل في متناول أيدي هذه الشريحة من الحجاج تيسر لهم سبل الإقامة الكريمة أثناء أداء المناسك مع الأخذ على يد من يخالف الأنظمة وعدم السماح لأي فرد بأن يكرر الصور السلبية التي تعيق حركة ضيوف الرحمن وما يتركونه من مخلفات تجلب الأمراض والأوبئة وتكون سبباً في إيذاء المسلمين بدنيا ونفسيا. تشكيل هيئة لمكافحة الافتراش وأضاف من الحلول التي نأمل أن ترى النور إيجاد هيئة تنبثق من وزارتي الداخلية والحج تعنى بمكافحة الافتراش وسن القوانين التي تردع من يسلك هذا المسلك وتوعية المسلمين في الداخل والخارج من خلال وسائل الإعلام بخطورة هذا السلوك وحشد الرأي الإسلامي نحو التحذير تجاه هذه الظاهرة غير السوية ومن ثم القضاء عليها. واقترح الأمين العام للنقابة العامة للسيارات مروان بن رشاد زبيدي، إجراء دراسة لموضوع الافتراش من قبل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج على أن تكون متأنية مع الأخذ بعدد من المقترحات مثل التوسع في بناء مساكن الحجاج على سفوح الجبال فقط وتخفيض بعض أسعار الحملات بما يتناسب مع دخل العمالة الوافدة والسعوديين محدودي الدخل بحيث لا تزيد عن 1500 ريال وإفراغ مشعر منى من الوسائل البدائية وجعل وسائل النقل مقتصرة على القطارات والسيور وعمل طرق مشاة تحت الأرض بحيث تستغل المساحة للحجاج والخدمات والمرافق وخروج جميع الدوائر الحكومية من منى وبقاء فقط المهم منها مثل الدفاع المدني وإعادة تقسيم مني. ويقول إبراهيم بن منيع النحياني مساعد المشرف العام بهيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكةالمكرمة «حظي موسم حج هذا العام بنجاح استثنائي في ظل منظومة من الخدمات المتكاملة التي قدمتها الدولة استشعارا من مسؤوليتها في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، وكانت صورة هذا الموسم من أروع اللوحات التي رسمتها بلادنا لتعلن في نهاية الحج هذا النجاح الاستثنائي، إلا أن الافتراش كان حاضراً هذا الموسم بشكل لافت وساهمت في إظهاره وسائل التقنية الحديثة والالتفات لهذه المشكلة قد يساهم في حلها بشكل سريع، واعتقد أن الحل ينطلق من محورين الأول التركيز على الحملات المجانية أو بأسعار لاتقارن، والمحور الثاني أن تضطلع هيئة كبار العلماء ومكاتب الدعوة وأصحاب الفضيلة المشايخ والدعاة بتبيان أهمية أداء الحج بتصريح».