«يا قيس يا قيس الناس حجت وأنت هنا ليش»، عبارة استهلت بها عائشة المولد حديثها ل «عكاظ» بكل حنين لعبق الماضي الجميل، إذ كانت ترددها في ريعان شبابها مع صديقاتها ونساء الحي في يوم عرفة وعيد الأضحى في احتفال القيس وهو أشبه بكرنفال شعبي نسائي بسيط. وأوضحت المولد أنه بمجرد دخول شهر ذي الحجة تبدأ نساء مكة في الاستعداد ليوم عرفة والعيد والاحتفال بهذه الأيام، والداعي لذلك هو استغلال خلو مكة من الرجال تقريبا فتكون النساء أكثر حرية في تحركاتهن، فكانت تجتمع مع صديقاتها لتحضير بعض الأكلات التي تشتهر بها مكة مثل المعمول والغريبة. وكانت هناك ليلة الخليف كما سمتها المطوفة نجاة باقاسي تستغلها النساء بالسهر حتى آخر الليل في احتفال جميل، وعن ذلك تقول الدكتورة مريم عبدالله سرور الصبان نائبة رئيسة مجالس الأحياء المكية النسائية: كلمة (الخليف) لا يوجد لها تفسير في اللغة العربية أو معنى ولكنها مأخوذة من تخلف النساء عن الذهاب للحج وتأدية النسك. وكانت الاستعدادات لهذه الأمر من قبل دخول أيام الحج وذهاب الرجال إلى الحج بتهيئة الوجبات التي لا تفسد سريعا مثل المعمول والغريبة، وكان من المألوف أن يصطف الصغار أمام أبواب الأفران ليخبز فيها بسبب عدم وجود الأفران الحالية في البيوت ومن ثم يأخذ كل رب أسرة متجه للحج الكمية التي تكفيه لتكون الغذاء الكامل له طيلة بقائه هناك. وذكرت صبان أن هناك عادة جميلة تحتفل فيها الأسر والأقارب وتختص بالطفل الذي يذهب للحج مع والديه لأول مرة حيث تجتمع النساء محتفلات بهذا الأمر، وتقوم أم الطفل أو قريباته بإعداد ال (جوجو) وهو عبارة عن خليط من الحلوى العتيقة مكسرات مكونة من الحمص والحلوى والفوفل، إضافة إلى قطع من النقود المعدنية حيث يقف الطفل الذي حج لأول مرة وسط الحاضرات ومن ثم تنثر هذه المكسرات والنقود على رأسه بصحبة الزغاريد وأهازيج النساء بعبارات يقلن فيها (جوجو حجو وجو...الخ) ومن ثم يجتمع الأطفال ويتسابقون على هذه المكسرات ويجمعون منها ما يقدرون عليها ويتفاخرون بأيهم تحصل على مبلغ أكبر من النقود المنثورة. تقول أم جميل بأنها كانت عادات جميلة عيشتها منذ شبابها فكانت تحرص على الحضور والالتقاء بالنساء اللواتي يقمن بالاحتفال بالخليف والقيس فكانت تشعرهم بالفرح وجمال تلك الليالي وانتظار العيد، ولكنها الآن ومع تغير الزمان واختلاف الأمكنة اندثرت ومع اندثار عادات الخليف والقيس مازالت هناك بعض من النساء في مكةالمكرمة يقمن باستئجار الاستراحات وذلك بالدفع المادي المشترك بينهن ويقمن بإحياء تلك الليلة في الاستراحة وتظل التسمية باقية بدعوة بعضهن بالذهاب إلى ليلة القيس.