(آفة الأخبار رواتها)، هذا صحيح وأبصم عليه بالعشرة، فأكثر من (90%) من تاريخنا العربي والإسلامي كله روايات وتأليف وتقوّل، ولم تسلم من ذلك حتى الأحاديث الشريفة، وأكبر دلالة على ذلك، أن (البخاري) جمع مثلما تقول الروايات ما لا يقل عن (600) ألف حديث، وبعد الغربلة أسقط الكثير منها، ولم يرس أو يدون في (صحاحه) سوى أربعة آلاف حديث حسب ما ذكره العسقلاني. أي أن ما أكده البخاري لا يزيد عن واحد ونصف بالمائة وهي الصحيحة، من بين كل تلك التقوّلات والأكاذيب. وقد فطن رسولنا الكريم لتلك الظاهرة اللعينة في نفوس الناس، فسبقهم قائلاً بما معناه من كذب وتقول عليّ فليتبوأ مقعده من النار، وما أكثر الذين تبوّأوا ذلك المقعد فيما بعد. ولم يخطئ (طه حسين) عندما شكك ببعض الشعر الجاهلي لأنه كله كان مجرد تقوّلات شفاهية ومن حسن حظ (المتنبي) وحظنا، أنه كان يدون ويكتب أشعاره بنفسه. ولكي أرفه عنكم قليلا فإليكم ما قرأته بالأمس عن تلك الرواية التي لا تنفع ولا تضر كذلك، فيقال: إنه التقى أعرابي بعدة لصوص فسلبوه ماله وضربوه وأهانوه، فقصد بغداد يشكو أمره للخليفة فعندما وصل باب القصر أراد الدخول فصده الحجاب فألح عليهم أن يسمحوا له بالدخول فسألوه: من أنت، وما حاجتك، لنعرض للخليفة أمرك؟ فقال: أنا رجل لي ما ليس لله، وعندي ما ليس عند الله، وأهرب من رحمة الله، وأحب الفتنة، وأبغض الحق، وأشهد بما لا أرى، فدخل أحد الأعوان وأعلم الخليفة بما قاله الإعرابي فتعجب وقال: ائتوني بهذا الخسيس لأسمع كفره من فمه وأعاقبه، فسأله الخليفة: أأنت القائل بما سمعته، فكيف تدعي ذلك يا جاهل؟ فقال: نعم، أنا قائل ذلك فإن لي زوجة وبنين وليس لله شيء من ذلك، وعندي الكذب والخديعة وما عند الله شيء من هذا، وأهرب من المطر وهو من مراحم الله، وأحب المال والبنين وهما أشد فتنة، وأبغض الموت وهو حق جار على كل حي، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولم أر أحداً منهما، فسرّ الخليفة من نباهته وحصل له ما سلبه إياه اللصوص وقرّبه إليه – انتهى. وإنني على ثقة لو أن ربي قد خلقني في ذلك الزمان، فلن أضمن نفسي أن أكون من زمرة (القوّالين) – بحرف (اللام) – حقاً، كاد المريب أن يقول خذوني.