ما بال المترفين المبذرين الذين أسرفوا على أنفسهم إلى حد الجنون في عرض الكثير من الأطعمة والمشروبات التي ضاقت وفاضت بها موائدهم حتى يخيل للناظر أن تلك الموائد للعرض والتفاخر وليست للقرى وإكرام الضيف بالمعروف، ألم يعلم المبذرون أن الله تعالى شبههم بإخوان الشياطين، لأن الشيطان يدعو إلى كل خصلة رذيلة فيشجع الإنسان على البخل والإمساك فإذا لم يجبه دفعه بعنف إلى الإسراف والتبذير فقال تعالى (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) الإسراء 27 - بينما الله عز وجل يأمر بأعدل الأمور وأوسطها (والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان 67 - وانظر إلى روعة الوصف القرآني في ذم البخل والتبذير (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) الإسراء 29 - فما أدق هذه الصور لليد وهي ملتصقة بالعنق كناية عن شدة الإمساك والتقتير بينما تجدها منبسطة بشدة للدلالة على شدة الإسراف، وهكذا يتعرض البخيل لملامة الناس، والمبذر للحسرة على ما فرط في الإسراف ولم يبق بين يديه سوى النزر القليل من المال الذي لا يكفيه، وما أبشع أن تتحول اللحوم والمأكولات الشهية من فوق الموائد إلى بطون صناديق القمائم لتتحول إلى أوبئة وحشرات وروائح كريهة وإضرار بالبيئة، وقليل من الناس من يحرص على إرسال الفائض من الأطعمة للجمعيات الخيرية التي تقبلها وترسلها لمن يحتاجها، وقد تصل متأخرة ولا تجد من يحرص على تناولها، ولم يتذكر أولئك المسرفون المجاعات والفقر الذي حط رحاله بين كثير من الشعوب وخاصة أفريقيا وآسيا حتى أنهم يصابون بالدرن والأمراض التي تؤدي للموت البطيء بسبب سوء التغذية، وقد سمعنا والبعض قد رأى أن المحن والحروب الطاحنة التي تعصف بكثير من الدول العربية هذه الأيام أدت إلى أكل القطط والكلاب وأوراق الشجر والتنقيب في سلال المهملات عن الطعام!. لذلك شبه القرآن الكريم المبذرين بإخوان الشياطين الذين تآخوا وتعانوا معهم واتصفوا بالصفات الذميمة ولم يشكروا نعمة الله وفضله، فإما مبذرون أو بخلاء وكفى بكل ذلك تحذيرا للمسرفين ليقلعوا عن التبذير والبخل، ولكن هل يكفي النصح والإرشاد؟ نعم فيه فائدة لمن لا زال في قلبه خشية من الله تعالى ولكن التثقيف لمحاربة التبذير لا يكفي ولا بد أن تعزز الثقافة بمحاسبة المبذرين بالتحذير ثم دفع غرامة مناسبة بعد دراسة أفضل السبل المناسبة لثقافتنا، وقد سمعنا أن كثيرا من الدول الصناعية تقبل الشكاوى ضد من يتسبب في إفساد الطعام والتسبب في انتشار الأمراض والإضرار بالبيئة، وقد سمعت أن هناك عربيين اشتريا طعاما يكفي حوالى خمسة أشخاص ولم يطعما منه إلا جزءا يسيرا وتركا بقية الطعام على الطاولة، وكانا يسكنان لدى سيدة أمريكية فطلبت منهما الاستفادة منه ولكنهما لم يستجيبا لها فاستدعت الشرطة فحققت معهما وأدانتهما بسوء التصرف الذي سيؤدي للإساءة للبيئة بسبب إفساد الطعام الذي سيرمى في سلة المهملات، فلعل الجهات المختصة في المملكة أن تدرس ما يمكن عمله ضد المتسببين في إفساد الطعام بسبب التبذير وحماية للبيئة (فقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) ولا بد أن نكون أكثر جدية وحزما في محاربة التبذير، وأخشى أن نبتلى بالفقر والجوع إذا لم نحرص على حفظ النعمة ومحاربة الشيطان، نسأل الله أن لا يعاملنا بما فعل السفهاء منا، وقد سرني ما سمعت أن هناك اهتماما من بعض الإخوة بإنشاء جمعية خيرية لحفظ النعمة وتشجيع الناس على أسلوب (البوفية) بدلا من القعود أو الجلوس والتجمع حول الصحاف، كما سمعت أن هناك جمعية أخرى أو أكثر تعمل في هذا المجال لكن تلك الجمعيات تحتاج للمساندة بالإلزام الذي ذكرته وسن نظام يحارب شر التبذير الذي أشرت إليه. * كاتب سعودي