سجل عدد من أبناء الموظفين الأمريكيين الذين ولدوا وترعرعوا في الشرقية قبل أكثر من 70 عاما، ذكرياتهم وانطباعاتهم الوجدانية عن المملكة أثناء فترة حياتهم مع آبائهم الذين عملوا في مطلع الأربعينيات والخمسينيات الميلادية للتنقيب عن النفط بالشرقية، خلال عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - تغمده الله بواسع رحمته -. وجاءت هذه الانطباعات في رسائل مكتوبة بعثوا بها إلى الرياض بعد مغادرتهم المملكة مع أسرهم - منهم من توفي الآن ومنهم من هو لا يزال على قيد الحياة - مبينين في معظمها أبرز معالم شخصية الملك عبدالعزيز الذين حظي البعض منهم بشرف اللقاء به - طيب الله ثراه - خلال فترات تفقده لأعمال استخراج النفط، ومنهم من تحدث عن طبيعة الحياة في الصحراء، وبساطة وكرم الشعب السعودي الذين زاملوهم في العمل آنذاك. وقال رئيس جمعية أبناء العاملين في شركة (أرامكو) بالولايات المتحدةالأمريكية مايكل كروكر: «قابلت الملك عبدالعزيز عندما كنت في الخامسة من عمري، والتقيت الملك سعود وأنا في الثامنة، والملك فيصل وأنا في سن الشباب، وبقي في نفسي لكل واحد منهم الأثر الطيب». وأوضح كروكر أنه نشأ على حب الصحراء وحب الحياة العربية البسيطة، وأعجب كثيرا بكرم الملك عبدالعزيز مع شعبه وضيوفه، مبينا أنه شعر بالاستقرار النفسي في حياته بالمملكة في ذلك الوقت، حيث لمس من أصدقائه السعوديين الحميمية والكرم، وعرف قسوة حر الصحراء وشدة برد ليلها، وفي خيمة البادية بالربع الخالي تعلم كيف يتحمل العناء ويتعقب الأثر. وعبر كي. سي. كروكر الذي ولد في الظهران سنة 1956م وعاش فيها حتى عام 1977م، عن حزنه لفراق المملكة، وقال في رسالته: «حينما عبرت الشمس سماء الخليج شعرت بحزن دفين في داخلي، لأني أدركت أن هذه هي المرة الأخيرة التي أجلس فيها فوق هذا الكثيب، بهذا الدفق من المشاعر والرؤى، عن كل سنين عمري هنا في هذا البلد البديع وطني (السعودية العربية) وسرح خيالي بعيدا حينما طفقت أفكر في الناس الذين شببت على حبهم». ولكاترين ويليامز قصة أخرى عاشتها خلال فترة وجودها مع أسرتها في المملكة ما بين عامي 1950م و1956م، وقالت: «شاهدت الملك عبدالعزيز وعمري آنذاك 11 سنة أثناء زيارته للظهران، وكان يجلس في فناء مرصوف أعد لاستقباله، مرتديا الملابس العربية التقليدية الشماغ الأحمر، والعباءة البنية، وكان حضوره مهيبا، وعالي الطلعة في منظره». أما برايان بلاتك الذي عاش في المملكة خلال الفترة من 1944م إلى 1976م، فقد قال: «أثناء زيارة الملك عبدالعزيز للظهران عام 1947م، التقى مسؤولي أرامكو، وظهر فجأة طفلان أمريكيان يطلقان بلعبة مسدسات فرقعات صوتية، فأوقفهما حرس الملك نتيجة تصرفهما، واعتذر مسؤولو أرامكو عن فعلهما وحاولوا تعنيف الطفلين، إلا أن الملك عبدالعزيز رفض ذلك، وعندما أخذ فترة وجيزة للراحة، استقبل الطفلين، وتحدث إليهما مداعبا إياهما بروح الأبوة، ومنح كل واحد منهما مبلغا من المال، ليذهبا إلى متجر التموين ويشتريا الحلوى وسكر النبات». ومن جانبها أكدت كارول هوج التي عاشت في المملكة ما بين عامي 1946م و1955م، أنها ما زالت تشعر بالحنين للمملكة وتفتقدها، مبينة أنها سمعت صوت الملك عبدالعزيز في أحد اللقاءات التي عقدها في الظهران، مشيرة إلى أن صوته كان مليئا بالحزم والسلطة، وكلمته نافذة، وتبدو في صفات طلته رجل الحرب القدير. وتقول ديان ال. كريستوفرسين التي عاشت في المملكة ما بين 1959 - 1987م: «كلما أرى العلم السعودي ينتابني شعور بأني أرى العلم الذي يجسد طفولتي، ويعبر عن الإنسان الذي أصبحت عليه الآن، إن نشأتي في مرحلة الطفولة في المملكة أتاحت لي الفرصة للاحتكاك الاجتماعي والفهم الأفضل للناس من ذوي خلفيات متنوعة سياسيا ودينيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا». ودونت دارة الملك عبدالعزيز كل هذه الانطباعات مع عدد من الصور في مجلد متوسط الحجم، قدمه أمين عام الدارة الدكتور فهد بن عبدالله السماري، والسيد جيل .أ. روبيرج، تحت عنوان (أصدقاء وذكريات.. انطباعات وذكريات أمريكية عن الحياة والعمل في المملكة خلال الفترة من 1938م إلى 1998م) وجمع هذه الرسائل السيد كروكر.