إن تفوق الإنسان الحقيقي يكمن في مدى نجاحه في تحقيق التوازن في حياته بشتى نواحيها، والقيام بواجباته وأدواره المنوطة به على أتم وجه. يدهشني تصرف بعض الأشخاص في حرصهم على تقديم نجاحهم الوظيفي والعلمي على حساب أسرهم، ناهيك عن صحتهم وجوانب أخرى، فتجد الشخص منهم رجلا أو امرأة، يقضي معظم وقته لأجل العمل، سواء كان في مقر العمل، أو حتى في المنزل. يقول أحدهم «أسأت ترتيب أولوياتي فخسرت أكثر ما يعني لي في هذه الحياة، لكنني لم أكن أدرك ذلك في تلك الفترة، كنت أعتقد أنني إذا ما حققت النجاح فإن كل شيء سوف يكون على ما يرام. وهكذا سخرت كل جهودي في سبيل تحقيق النجاح، غير أنني لم أنعم بحظ وافر لتحقيق نجاحاتي، ولا بفرصة جيدة لأحقق سعادتي وسعادة من حولي. واليوم تقدمت في السن وأعاني من إعاقة تقبلتها وأحسن التعامل معها غير أن زوجتي تطلقت مني وقطعت علاقتها بي. وأضف أن ابنتي الكبرى لا تتصل بي كثيرا، لقد تسبب لي النجاح، والسعي لتحقيقه، في خسارة نفسي وانغماسي في الوحدة. وإن كان من نصيحة أشاطرها مع الآخرين، فهي أن يفكروا مليا في معنى النجاح وماهيته». نعم نريد أن نحقق النجاح بمفهومه الكبير، الذي يندرج ضمن قائمته النجاح العائلي والوظيفي وغيرها من النجاحات، ولكن دون أن يكون سعينا للنجاح في جانب سببا في فشلنا وإخفاقنا في جوانب أخرى. فالتوازن هو الأصل في سلامة الفرد صحيا ونفسيا وجسديا وروحيا. لا بد من وضع الأولويات في الحياة وأن تكون الأسرة على قائمة تلك الأولويات، إن السعادة التي ينشدها الإنسان لا تأتي إلا من خلال التوازن بين العمل والمنزل، فكثير من الخلافات الزوجية، بل وحتى الطلاق والتفكك الأسري، كما يؤكد ذلك الخبراء سببها فقدان التوازن. فإذا أردنا أن ننعم بالتوازن والعيش الهانئ فلنستعن بالله عز وجل، ولنخطط جيدا لتحقيق هذا المعنى الراقي من النجاح، ولنبدأ بتنفيذه متذكرين قول الله تعالى (والذين هم لأماناتهِم وعهدهم راعون) وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).