ممارسة الأبعاد الأربعة للتجديد في حياتنا وإجازاتنا تمدنا بطاقة تسهل علينا مراجعة النفس من أجل صنع أهداف جديدة، ووقود متجدد يحملنا نحو الرضا في حياتنا، نحو تطويرنا، وبناء مستقبل أجيالنا. يتحدث الكاتب محمد المسعودي عن كيفية ممارسة الأبعاد الأربعة في مقاله بصحيفة الوطن، ويقول “فلنكتب همومنا على جبال السودة ورمال الثمامة أوعلى شاطئي جدة والخبر وجبال أجى وسلمى، ننثرها وننساها، لندع أفقنا للتجديد في الحياة بكافة جوانبها، فكثيرٌ منا يشتكي من رتابة الحياة ومللها وكثرة صراعات الحياة نحو كرامتها المأمولة. وفيما يلي نص المقال: لنكتب همومنا على جبال السودة ورمال الثمامة كثيرٌ منا يشتكي من رتابة الحياة ومللها وكثرة صراعات الحياة نحو كرامتها المأمولة. وكلما تأملت حياتنا المتسارعة وأزماتنا المتعددة المحفوفة بطقوسنا التربوية والاجتماعية والاقتصادية التي نقلتنا إلى غياهب الحياة المادية الزائفة بكل معانيها وأثرت نتائجها علينا وعلى صحتنا وقوالب تفكيرنا جموداً واحتقاناً، عادت بي الذاكرة إلى مقال الكاتب آرثر جوردن “انقلاب المد” عندما سرد تجربته بعد مروره بحالة يأس شعر فيها بأن كل شيء في حياته أصبح مملاً وسطحياً وبلا معنى. لم يستطع حينها مواصلة الكتابة وأصبح هدف قلمه بلا جدوى، ازدادت حالته سوءاً وكآبة.. قرر حينها الذهاب إلى عيادة متخصصة فسأله طبيبه – بعد أن وجده سليماً معافى جسدياً – إن كان يستطيع اتباع تعليماته لمدة يوم واحد (فقط)؟ فوافق جوردن بالإيجاب، وكتب له طبيبه أربع وصفات، وأخبره أن يفتح الأولى الساعة التاسعة صباحاً، والثانية الساعة الثانية عشرة، والثالثة الساعة الثالثة، والرابعة الساعة السادسة مساءً، وطلب منه أن يقضي اليوم التالي مباشرة في المكان الذي أمضى فيه أجمل ذكريات طفولته. ذهب جوردن إلى شاطئ طفولته وتعليمات الوصفة؛ ففتح الأولى، وجد بها كلمتين فقط (اصغ واسمع). دُهش لهذه الوصفة، وبدأ في تطبيقها بالإنصات لما حوله، فسمع صوت البحر والطيور، وبعد فترة من الاستماع أخذ يفكر ويتأمل في دروس الحقيقة بدءاً من الصبر والتحمل والتعاون، التي علمها البحر له عندما كان صغيراً. بدأ يشعر بهدوء وسلام جامح داخله. في الظهر فتح الوصفة الثانية؛ فوجد فيها أيضاً كلمتين (حاول الرجوع) تساءل حينها (الرجوع لماذا؟) ربما إلى الطفولة، إلى الماضي، واللحظات السعيدة القصيرة، وأثناء عملية تذكره شعر بدفء يسري داخله تدريجياً. وفي الساعة الثالثة عصراً فتح الوصفة الثالثة، فكانت مختلفة في عدد الكلمات والاتباع (افحص واختبر دوافعك). فكر لحظياً فيما يريد من نجاح وشهرة وأمان ثم عدلها جميعاً.. بعد ذلك جالت بخاطره فكرة أن تلك الدوافع ليست كافية، ولعل بداخله الإجابة على موقفه الممل! تفكر جوردن حينها في دوافعه ملياً، فكر في سعادته الماضية، حتى جاءته الإجابة، أمسك قلماً وكتب: “في لمعة من ثقة رأيت أن دوافع المرء إن جانبت الصواب، لا شيء يمكن أن يكون صحيحاً، فلا فرق عندي بين ساعي البريد أو ربة المنزل.. طالما أنك تخدم الآخرين وتفيدهم، فأنت تقوم بعملك على ما يرام، لكن إذا كنت غير مهتم إلا بمساعدة نفسك، فستقوم بعملك بشكل أقل كفاءة – فهذا قانون ثابت كقانون الجاذبية”. في الساعة السادسة، قرأ الورقة الأخيرة وهي (اكتب همومك على الرمال) فكتب العديد من الكلمات والآهات على صدفة مكسورة، استدار عائداً إلى منزله، لم ينظر إلى الوراء أبداً، لأنه يعرف تماماً أن المد سيأتي! مجتمعنا تكثر إجازاته وطقوسها، تحدها القيود هنا وهناك، وهي تسير نحو البحث عن الحياة الكريمة والاستقرار مهنياً واجتماعياً واقتصادياً وصحياً.. لكن تبقى لنا قرارات الالتزام الشخصية، فإذا فهمنا توازننا وأهدافنا فهماً جيداً استطعنا مراجعة أنفسنا في تناغم مع تلك القيم، فالبعد الفكري يأتي ليعزز ذلك فينبع من التطوير دائماً بعدم ترك العقول عرضة للضمور وشحذ الذهن وتوسيع المدارك، يضيفها البعد الاجتماعي منحصراً في الاتصال العاطفي والتعاون الخلاق مع الآخرين، ثم البعد الجسدي والاعتناء بالجسم من غذاء صحي وتمارين رياضية وحصول على قسط واف من الراحة والاسترخاء الإيحائي والإيجابي لتجديد دم الحياة. أما البعد الروحي فهو (جوهر الإنسان) وما بداخله من الحياة من قرارات ورؤية ورسالة وأهداف. ممارسة الأبعاد الأربعة للتجديد في حياتنا وإجازاتنا تمدنا بطاقة تسهل علينا مراجعة النفس من أجل صنع أهداف جديدة، ووقود متجدد يحملنا نحو الرضا في حياتنا، نحو تطويرنا، وبناء مستقبل أجيالنا للبدء في مرحلة تحمل بين دفتيها الرضا والاستقلالية والفائدة. تلك هي المتعة الحقيقية في الحياة التي نحياها لتحقيق غاية ندركها وتبلغ من أنفسنا مبلغا. وكما يقول آرثر كريستوفر :”إعادة تعديل مساراتنا أمر شاق، ولكن معظمنا في حاجة إلى القيام بذلك من آن إلى آخر”. وقد أوجزها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في قوله “إن لنفسك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه”. لذلك فلنكتب همومنا على جبال السودة ورمال الثمامة أوعلى شاطئ جدة والخبر وجبال أجى وسلمى، ننثرها وننساها، لندع أفقنا للتجديد في الحياة بكافة جوانبها.. وكل عام ومجتمعنا يزدهر بكم.