كثير من القضايا الخلافية مازالت تسيطر على المجتمع المحلي الذي تلقى دروسا بتحريم جملة أمور تحريما مطلقا مع أن هناك علماء في بقاع الأرض اختلفوا في التحريم ودرجات الحكم على أشياء غدت من عناصر وتراكيب الحياة الراهنة إلا أن المغالين والمتشددين مازالوا يبذرون هذا التشدد في نفوس الناس. ومن أمثلة الأمور التي نتناقل تحريمها تحريما قطعيا الصور والموسيقى والغناء وتحية العلم وكشف وجه المرأة والتصفيق والسينما وقاطرة طويلة من المحرمات لم يراع في تحريمها الاختلاف الفقهي حول كل منشط من تلك المناشط. وكنت أظن أن قضية تحريم الصور قد قفزنا عليها ولم تعد ذات قوة دافعة لتثوير نفسيات المجتمع بالرفض والمجابهة إذ أننا نعيش زمن الصورة في كل حياتنا وأن الأحداث الرافضة للصورة قد غدت من الذكريات البائدة في ذاكرتنا الاجتماعية إلا أن هذه القضية بزغت مؤخرا كقضية محتدمة في مواقع التواصل الاجتماعي سخر لها أناس يدعون العلم والمعرفة لأن يعيدوها إلى حاضنة التحريم. ومع أن كثيرا من مظاهر التشدد والغلو مازالت تعيش بيننا إلا أن مسيرة الحياة تقدم لنا الوجه الآخر والبدائل الفقهية المعنية بفقه الواقع والمفككة لخطاب التشدد وبما أن الجميع يدعو إلى محاربة الإرهاب فالواجب علينا قبل ذلك محاربة الغلو واستعادة المجتمع من اختطاف الخطاب الديني المتشدد، فالإرهاب نتيجة نهائية للغلو يصل الفرد إلى ممارسته بعد أن يكون قد تشبع بالأفكار غير القابلة للنقض أو التعددية التي تظهر التباين والاختلاف في المسائل والرؤى المعتنقة من قبل الإرهابي ويحدث هذا حينما يتم اختطاف المجتمع كاملا بخطاب أحادي يكتسب غلظته وتوحشه وتمكنه حين لا يتم مواجهته مبكرا، وأخطر ما أفرزه الغلو والتشدد الديني هو الإرهاب المسلح وهو ما نعاني منه الآن كأمة مسلمة إذ ظهرت أطياف حركية نشأت وترعرعت داخل أزمات فكرية واقتاتت على تراكم مخلفات التشدد الذي بسط وجوده خلال عقود زمنية طالت.. وخلال تمدده لم يجد المواجهة الحقيقية لتفكيك ذلك الخطاب المتشدد فظل في نمو مطرد حتى ظهر تصدع الخطاب الديني من خلال حركات إسلامية إرهابية جسدته على أرض الواقع جماعات كالقاعدة وداعش والإخوان. وبعد أن أصبحت الأمة الاسلامية تحت نواجذ هذه الجماعات بدأ البحث عن الوسائل التي يمكن لها مواجهة هذه الجماعات وهي المواجهة الميدانية والتي تحتاجها الدول لتحمي أنظمتها ووجودها بينما ترك المجتمع رهينة لذلك الخطاب -حتى في أحلك الأزمات- وكان أولى بالدول أن تحمي بقية أفراد المجتمع من ذلك الخطاب المتشدد بإعادة صيغ بث خطابات دينية تمتلك قدرة تفكيك الغلو بإظهار خطابات بديلة فسلامة عقلية الفرد هو سلامة للمجموع لكن الملاحظ غياب الأدوات التي تعيد صياغة الخطاب الديني والارتهان لما يحدثه التشدد من فعل لكي تأتي ردة الفعل مثبتة للتشدد بدلا من أن تكون ناقضة له.