في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، والذي من أبرز ملامحه تطوير وإطلاق العديد من التشريعات الجديدة في البلاد، تشهد بيئة الأعمال السعودية، تطبيق نظام «ساند» على الشركات التي تعمل بالتقويم الميلادي، والذي يستهدف توفير مظلة حمائية ضد التعطل المؤقت عن العمل للموظفين السعوديين الخاضعين لنظام التأمينات الاجتماعية، سواء من يعمل منهم لدى القطاع الخاص أو في الأجهزة الحكومية. ويعتبر هذا النظام هو إحدى أحدث المبادرات التي عكفت على إعداده وزارة العمل ومؤسسة التأمينات الاجتماعية؛ بهدف تطوير الهيكلة العامة لسوق العمل السعودي. وقد يكون من المهم الإشارة هنا إلى أن برامج التأمين ضد البطالة هي أنظمة تطبقها الكثير من دول العالم، ولا سيما المتقدمة منها، وبالتالي فإن تطبيق نظام «ساند» في المملكة، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، هو خطوة تنطوي على إيجابيات اجتماعية ذات أبعاد أمنية واقتصادية عديدة، فضلا عن أنها ستعالج أحد أبرز الاختلالات التي لم تأخذ نصيبها من التطوير في سوق العمل السعودية على مدى العقود الماضية، وعلى نحو يدعم التوجه الحكومي لتوطين الوظائف وإحلال السعوديين مكان العمالة الوافدة. ورغم ردود الأفعال المتفاوتة تجاهه، فإن نظام ساند هو إحدى الأدوات الفاعلة لمنظومة التأمين الاجتماعي في مواجهة دائرة البطالة الإجبارية التي قد يجد الموظف نفسه داخلها لسبب لا دخل له فيه، نتيجة للمتغيرات التي قد تشهدها مؤسسات الأعمال؛ إما بسبب الإفلاس، أو إعادة الهيكلة، أو الاضطرار للاستغناء عن بعض الموظفين خلال فترات الركود الاقتصادي؛ إذ يؤمن النظام للموظف وأسرته الرعاية المالية خلال فترة توقفه عن العمل، وبذلك فإن «ساند» لن يفيد الموظفين الذين يتركون أعمالهم الوظيفية بإرادتهم؛ كالمستقيلين أو الذين يتم فصلهم لأسباب نظامية تستوجب إنهاء خدماتهم. ويوفر «ساند» للموظف الذي وجد نفسه خارج سوق العمل لظروف خارجة عن إرادته ثلاث مزايا جوهرية؛ أولاها ضمان حصوله على دخل مالي شهري لمده تصل إلى 12 شهر كحد أقصى، وبما يصل إلى 60% من راتبه «وفق اشتراطات معينة»، وثانيتها هي توفير التدريب اللازم له لرفع مستوى كفاءته العملية، والمزية الثالثة هي مساعدة المتعطل عن العمل للحصول على عروض توظيف جديدة، وبذلك فإن «ساند» يعتبر بمثابة نقلة هيكلية هامة رغم توقيتها المتأخر إلا أن ذلك لا يقلل من تأثيرها تجاه تحقيق التوازن المطلوب بين القطاعين الحكومي والخاص، فضلا عن كونها جديرة بتقدير سوق العمل والمجتمع. وعلى سبيل المثال، فلو افترضنا أن محمد هو موظف يخضع لنظام التأمينات الاجتماعية، وأن متوسط راتبه هو 6000 ريال، وقد فصل من عمله بسبب إغلاق المنشأة بالكامل، في هذه الحالة سوف يحصل محمد من خلال اشتراكه في ساند على مبلغ 3600 ريال شهريا في أول ثلاثة أشهر من فقدانه للوظيفه وتمثل 60% من متوسط راتبه، و3000 عن كل شهر بعد الشهر الثالث وتمثل 50% من متوسط راتبه، مع العلم أن الاستقطاع الشهري من راتب محمد هو 60 ريالا فقط، أو 1%، وبحسبة بسيطة يتضح أن محمد قد دفع ما إجماله 720 ريالا خلال العام، في حين أن مجموع المبالغ التي سوف يحصل عليها تبلغ نحو 37.800 ريال خلال السنة التالية لفقدان وظيفته. ما تقدم اختص بفائدة نظام ساند للموظفين، أما مزاياه بالنسبة لأصحاب الأعمال فإن «ساند» سيلعب حتما دورا إيجابيا في تشجيع السعوديين الباحثين عن فرص التوظيف للالتحاق بالقطاع الخاص الذي لم يكن الوجهة الأولى للباحثين عن الوظائف، بالنظر لتميز القطاع الحكومي بمستوى أمان وظيفي أعلى، وهذا تحديدا هو ما سيعمل «ساند» على محاكاته في وظائف القطاع الخاص، كما يعطي النظام مرونة إضافية للشركات والمؤسسات لاستبدال الموظف غير الملائم بآخر أكثر ملاءمة لأهدافها، ويتيح لكيانات الأعمال استقطاب الكفاءات الوطنية المتميزة والاحتفاظ بها. ومثله مثل معظم الأنظمة الجديدة، لم يسلم «ساند» من الانتقادات التي تركزت غالبيتها على ما سيترتب عليه من زيادة على نسبة استقطاع بند التأمينات الاجتماعية من أجور الموظفين والبالغة 1%، في حين سيرفع من كلفة الموارد البشرية على أرباب الأعمال الذين يدفعون نسبة مساوية، وهو ما قد ينعكس سلبا على تكلفة المعيشة، نتيجة لاحتمالية ارتفاع أسعار وأجور بعض السلع والخدمات؛ إلا أن هذا الارتفاع الطفيف على نسبة الاستقطاع، والتي يدفعها طرفا العلاقة التعاقدية بالتساوي يقابله منفعة كبرى للطرفين، وللمجتمع بشكل أشمل؛ حيث تفوق فوائد النظام الزيادة الضئيلة على الاشتراكات. أيضا، فقد رأى البعض أن الهدف من النظام هو زيادة موارد مؤسسة التأمينات الاجتماعية في ظل عدم التناسب الحالي بين مبالغ الاشتراكات ومقدار الالتزامات؛ وهو تصور لا أتفق معه لعدة أسباب؛ الأول هو أن ارتفاع موارد «التأمينات» يقابله زيادة في المصروفات المتمثلة في الإعانات التي تدفعها المؤسسة للعاطلين، والسبب الثاني اعتزام «التأمينات» إنشاء حساب مستقل وخاص باشتراكات «ساند»، هذا فضلا عن محدودية المبلغ السنوي المتوقع لاشتراكات النظام الجديد، والذي أقدره بنحو ملياري ريال، وبذلك فهو لن يشكل زيادة مؤثرة على إجمالي الاشتراكات السنوية التي تقتطعها مؤسسة التأمينات الاجتماعية من أجور أكثر من مليون ونصف المليون مشترك سعودي يخضعون لنظامها، حيث يبلغ مجموع مبالغ اشتراكاتهم نحو 18 مليار ريال خلال العام. أما الانتقاد الثالث لساند فيدور حول كونه إجباريا، حيث يرى البعض أنه كان يجب أن يكون اختياريا. ورغم وجاهة هذا الرأي إلا أنني أعتقد أن إجبارية النظام هي إحدى مزاياه؛ لأنه في جوهره هو نظام (تكافلي) اجتماعي الهدف منه حماية العاملين وأفراد أسرهم عن طريق تأمين سبل العيش الكريم لهم خلال تعطل رب الأسرة عن العمل بشكل مفاجئ، وبالتالي فيجب أن لا يخضع تطبيقه لرغبات المستفيدين المحتملين الذي يكون بمثابة «صديقهم وقت الضيق». ختاما، فإن المؤمل أن نلمس قريبا كمجتمع وأفراد وأصحاب أعمال الانعكاسات الإيجابية المتوقعة لتطبيق نظام ساند، وفي مقدمتها زيادة جاذبية وظائف القطاع الخاص لشبابنا الخريجين، والحد من النتائج السلبية للبطالة الإجبارية، وإعطاء المزيد من المرونة لمؤسسات الأعمال، حينما يتعلق الأمر بسياسات التوظيف والموارد البشرية؛ ناهيك عن دوره في المساهمة في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز مناخ الاقتصاد الحر الذي تنتهجه المملكة؛ لذلك فقد يكون من المهم قيام وزارة العمل بإصدار إحصاءات شهرية توضح فيها متغيرات ونتائج النظام الجديد؛ ليدرك جميع أصحاب العلاقة نتائجه الاجتماعية والاقتصادية. * محلل مالي ورجل أعمال