أكدت الحكومة الألمانية أن المملكة العربية السعودية تعتبر شريكا هاما لألمانيا من الناحية السياسية والاقتصادية، وقال وزير الداخلية الألماني توماس دو ميزيار في حوار مع «عكاظ» أن التعاون مع المملكة يشكل أهمية كبيرة لألمانيا، خاصة حين نتحدث عن أمن واستقرار الخليج والتعاون في مكافحة ظاهرة الإرهاب، منوها بأن التعاون في هذا المجال يأخذ شكلا بريا وبحريا على السواء، لافتا إلى التعاون مع ألمانيا والمملكة في إطار حرس الحدود، وأفاد بأن كلمة المليك عبدالله بن عبدالعزيز الأخيرة تؤكد عزم السعودية على مواصلة الطريق لمكافحة الإرهاب بجميع أنواعه. وأوضح دو ميزيار أن اهتمامات الدول بشكل عام بمصالحها قد أدت إلى تراجع التعاون الفعال لمكافحة ظاهرة الإرهاب التي باتت تهدد دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية وأن الوقت بات أكثر إلحاحا لتكثيف هذا التعاون والتغلب على هذه الآفة، مشيرا في هذا الصدد إلى جدل دائر في ألمانيا حول التعامل مع الإسلاميين المتشددين، فيما أكد أن بلاده تدعم مبادرة الملك عبدالله في إنعاش دور المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأممالمتحدة وترحب بالدعم الذي قدمه المليك للمركز وإلى نص الحوار. قدم خادم الحرمين الشريفين معونة مالية قدرها 100 مليون دولار لدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي تم إنشاؤه في عام 2011 بناء على مبادرة سعودية.. كيف تتابعون هذا الحدث وما هو دور ألمانيا في دعم هذه الخطوات؟ - لقد أكدت مرارا أهمية التعاون مع المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب ونحن نقدر جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مبادرته بإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأممالمتحدة كما تواجدنا في المؤتمرالدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض الذي كان المليك وبصفته في ذلك الوقت وليا للعهد قد دعا له في يناير عام 2005 وتواصلنا ضمن متابعات للشرطة الألمانية والشرطة السعودية في إطار حرس الحدود وهذا التعاون مستمر ويتنامى انطلاقا من سعينا للقضاء على ظاهرة الإرهاب. أعلن الملك عبدالله في كلمة له أخيرا عن أهمية التصدي لظاهرة الإرهاب وحذر من مخاطر الإرهاب على الأمن الإقليمي والدولي.. ما رأيكم؟ - هناك بالطبع جانب سياسي بحت لهذه الظاهرة، كما أن هناك جانبا أمنيا يتعلق بالأمن الداخلي للدولة والأمن الخارجي مما يتطلب التعاون وتكثيف تبادل الآراء وفتح قنوات جديدة للاتصال والتواصل، ومن هنا نحن نعتبر أن آفة الإرهاب بشكل عام لها مخاطر عديدة لاسيما لارتباطها في هذه المرحلة على الأخص بالدين وبالإسلام وهو ما يجعلنا في ألمانيا نكثف التركيز على الجماعات الإسلامية المتشددة التي تستغل الدين لأعمال إرهابية وبالتالي تشوه المفهوم الصحيح للدين الإسلامي.. وبرأيي أن المملكة العربية السعودية تعمل أيضا في هذا الإطار من خلال مسؤولية هذا البلد في مواجهة التشويه للعقيدة وذلك من خلال الكشف عن الجماعات الإرهابية وفضح توجهاتها. أخذتم على عاتقكم أولويات مكافحة الإرهاب وتعقب الإرهابيين في ألمانيا؟ ما هي هذه المهمة بالضبط؟ - لقد لاحظنا أن تأثير الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وعلى الأخص في العراق كان لها تبعات سلبية وخطيرة على الأوضاع الأمنية للبلاد ولذلك كان من الضروري أن تتوحد الجهود لاسيما مع المسؤولين في ألمانيا وأصدقائنا بالخارج من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب والتصدي لها.. ونحن على قناعة من أن الإرهاب ركز على نشر الذعر والخوف وهو بذلك لا يهدد الحريات والأمن الشخصي لأفراد مجتمعاتنا وإنما يشوه ويضع علامات استفهام عديدة حول نظم متبعة ومعمول بها في المجتمعات والدول ومن هنا فإن الجهود التي نقوم بها إضافة إلى تعاوننا مع شركائنا وأصدقائنا تنطوي على عدم الخضوع أو الاستسلام لهذه الظاهرة التي تهدد العالم بتزايد منذ أحداث سبتمبر 2001. ما هو برنامج مواجهة الإرهابيين في ألمانيا؟ وهل هناك تصنيف لهم؟ - لا شك أن هناك تصنيفا معينا نتعامل به لمكافحة الإرهابيين.. فمثلا تواجه ألمانيا ما يطلق عليه اليمين المتطرف، الذي ظهر بشكل كبير في نوفمبر عام 2011، هذا من جانب، وأحب أن أضيف أن ظاهرة اليمين المتطرف ليست ألمانية فقط، فهي متواجدة في فرنسا على سبيل المثال وفي دول أوروبية أخرى. النوع الثاني من الإرهابيين تم تصنيفه من قبل الجهات المسؤولة إلى إرهابيين إسلاميين وسلفيين وهم يحملون أيديولوجية لا تتفق ومفاهيم مجتمعاتنا كما أنها تحمل توجهات خطيرة تؤثر على المسلمين المقيمين في ألمانيا وتقوم بتشويه العقيدة الإسلامية وهو ما نراه مرفوضا تماما، كما أنهم لا يترددون في استخدام العنف بجميع أشكاله وهو أيضا أمر مرفوض.. النوع الثالث هم الإرهابيون الذين يتخذون الديانة ذريعة للخوض في معارك خارج ألمانيا ويشاركون جماعات إرهابية في الشرق الأوسط ويعودون بأفكار تؤثر على مجتمعاتنا وعلى الدول بشكل عام. في الحقيقة نحن أمام ظاهرة تختلط فيها التعاليم الدينية مع مطالب باستخدام العنف والقتل وتشويه العقيدة بوجه عام. ولذلك فإن المطالبة بعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب وبشكل سريع أمر ضروري ولا يحتمل أي تأجيل لاسيما في ظل الأحداث السياسية التي تشهدها المنطقة العربية. في ملف الداخلية يوجد تركيز كبير على العمل من خلال الإنذار المبكر.. أي احتواء أي عمل إرهابي قبل وقوعه.. ما هي تفاصيل هذا البرنامج؟ - في الحقيقة نحن أمام تأثيرات داخلية وخارجية على السواء، كما أوضحت سالفا، وما تشهده الساحة السياسية في المنطقة العربية يؤثر سلبا على عدد كبير من الشباب المسلم سواء في ألمانيا أو في دول الاتحاد الأوروبي.. وإذا أخذنا الساحة الداخلية وهي أيضا كانت بارزة في كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالنسبة للوضع في المملكة العربية السعودية فنحن هنا في ألمانيا نعمل على انتشال الأفكار المتطرفة والتأثير السلبي على شبابنا من منبع هذه الأفكار ولذلك لا بد أن نتفهم الدين الإسلامي ومبادئه ونعمل على توفير الإعلام الذي ينقل صورة صحيحة عن الإسلام والمواطنين المسلمين.. كما نقوم بالتحذير من عودة الشباب المسلم الذي شارك في القتال في الحرب الأهلية الدائرة في سورية، فضلا عن زيادة عدد اللاجئين في ألمانيا من مناطق الحروب، الأمر الذي رفع نسبة التطرف اليميني.. فنحن إذن في مواجهة أمرين: جماعات ترفض تواجد الأجانب اللاجئين وأخرى عائدة من مناطق القتال وترفع راية التشدد والتهديد والتشويه للعقيدة الإسلامية. هناك انطباع من أن الجهات المسؤولة في ألمانيا تعمل كل واحدة من منطلق برنامج خاص بها، فمثلا الداخلية الألمانية تعمل من ناحية وهيئة مكافحة الدستور تعمل من الجانب الآخر.. هل هناك تنسيق بين الإدارتين؟ - بالطبع.. هيئة مكافحة الدستور لا تلاحق الذين يرتكبون جرائم في مجال الإرهاب، وهي تدعم الداخلية بالمعلومات الوافية والدراسات التي أصبحت ضرورية لعدم الخلط بين الإسلام والإرهاب وهو أمر ملح لاسيما أن الظروف السياسية جعلت هناك خلطا لا يخدم المتابعة الصحيحة. فالهيئة على سبيل المثال وضعت عددا من المنظمات الإسلامية على قائمة الإسلاميين أو الذين يطالبون بالعنف ويحثون على الإرهاب بجميع أشكاله وعدد المنتمين لهذه المنظمات وصل في عام 2013 إلى 43 ألف شخص ولا نقول إنهم جميعا خطيرون على المجتمع ولكن من ضمنهم من ينبغي متابعته وقد تصل النسبة الى 3 آلاف شخص. فضلا عن تخصيص برامج لإعادة تأهيلهم في المجتمع. إضافة إلى ذلك أن هيئة مكافحة الدستور تتعاون مع المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي مما يعطي صورة وافية للوضع، لا سيما بالنسبة للمجموعة التي تسمى الجهاديين، ومنهم العديد الذين يعودون إلى ألمانيا أو دول أوروبية أخرى بعد مشاركتهم في القتال الدائر في مناطق في الشرق الأوسط. تعمل مجموعة المؤتمر الألماني الإسلامي منذ سنوات تحت إشراف الداخلية الألمانية.. كيف تقيمون عمل هذا المؤتمر؟ وما هو تأثيره على الصورة العامة للإسلام في ألمانيا؟ - هذه المجموعة أتاحت المجال للنقاش مع المنظمات الإسلامية في ألمانيا، لاسيما أن السنوات الأخيرة شهدت هجرة كبيرة من مواطنين ينتمون للدين الإسلامي.. هذه المجموعة بدأت عملها في سبتمبر 2006 وهي تجمع بين المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا بجانب 8 منظمات إسلامية أخرى، منها تركية وبوسنية. وأود الإشارة هنا إلى أن المؤتمر الألماني الإسلامي بات يشكل قناة اتصال هامة بين الجانب الإسلامي والدولة وهو أمر نرى أنه غاية في الأهمية، لاسيما في هذه الأوقات العصيبة التي يختلط فيها مفهوم الدين مع التوجه إلى التطرف والإرهاب وتشويه العقيدة لدى الرأي العام الألماني. كما نهتم في هذه المجموعة بتنظيم تدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية.. والحقيقة أن إنشاء هذه المجموعة جاء لاحتواء المواطنين المسلمين بشكل أفضل داخل المجتمع الألماني، إذ أنهم جزء هام منه ولهم دور كبير في تطوير الدولة وإنعاش الاقتصاد، فهم في الأغلب مواطنون ألمان. ما هو برأيكم مستقبل التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب؟ - أول شيء هو التعاون بين الاتحاد الأوروبي والجانب العربي ومحاربة عمليات غسل الأموال والجريمة المنظمة وقطع الإمكانات اللوجستية التي تستغلها بعض المنظمات الإسلامية تحت ستار المعونات الإنسانية. ونحن نرى أن التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب يشكل الحجر الأساسي لوقف الإرهاب الذي ينزح عبر الحدود وهو أمر نتابعه في أوروبا لاسيما بعد اتفاقية شنجين التي سمحت بفتح الحدود بين الدول الأوروبية. إلى جانب ذلك فلا بد من وقف عمليات التمويل وهو أمر نتفق فيه مع شركائنا في المملكة العربية السعودية ومع الدول الصديقة والأممالمتحدة وحلف شمال الأطلسي. ولكي ينجح مفهوم مستقبل التعاون في مكافحة الإرهاب ينبغي علينا التواصل مع شركائنا وأصدقائنا لمحاربة هذه الظاهرة.