منذ القرن الثامن عشر الميلادي والبشر يخوضون معتركا شرسا مع الفيروسات منذ اكتشافها مخبريا عام 1883م، بعد اكتشافها عن طريق الصدفة بواسطة العالم أدولف ماير في العام 1883م، عندما كان يجري أبحاثه على تبرقش أوراق التبغ، وتوصل آنذاك إلى وجود دقائق أصغر من البكتيريا تسبب المرض. وفي العام التالي قام عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي شارل شمبرلند باختراع مصفاة شمبرلند أو مصفاة شمبرلند - باستور، مع مسام أصغر من البكتيريا، مكنته من تمرير محلول يحتوي على البكتيريا وتصفيته وإزالتها تماما منه. وتمكن بعده العالم الروسي ديمتري ايفانوفسكي في العام 1892م، من تصفية عصارة أوراق التبغ المصابة باستخدام مرشحات خاصة لا تسمح للبكتيريا بالمرور، ومسح بها أوراق غير مصابة فلاحظ إصابتها، وهو أول من أطلق عليها اسم فيروس (باللاتينية السم)، وهي عبارة عن جزيئات بسيطة وصغيرة الحجم، ومنذ ذلك الحين والفيروسات تعتبر إحدى أهم المعضلات التي تواجه التصنيف الحيوي؛ لأنها لا تمثل كائنات حية، لذلك توصف غالبا بالجسيمات المعدية، لكنها بالمقابل تبدي بعض خصائص الحياة مثل القدرة على التضاعف والتكاثر بالاستعانة بخلايا المضيف التي يتم السيطرة عليها من قبل الفيروس، حيث تقوم بالاستعانة بآليات الخلايا الحيوية عن طريق دس الدنا أو الرنا الفيروسي ضمن المادة الوراثية للخلايا الحية، لكنها بالمقابل لا تتحرك ولا تقوم بعمليات استقلاب أو تحلل من تلقاء نفسها، فهي في منطقة وسطى بين الحياة واللاحياة. واكتشف أول فيروس يصيب الفقاريات وهو فيروس القدم والفم في عام 1898م، عن طريق العالم لوفلر والعالم فروش والعالم كوخ، فيما اكتشف العالمان ريد وكارول أول فيروس يصيب الإنسان وهو فيروس الحمى الصفراء. أما بالنسبة لفيروس إيبولا الذي فتك قبل أيام بأول ضحاياه في جدة، فقد اكتشف لأول مرة في بلدة تقع على طرف غابة مطيرة تسمى (كيكويت) في زائير، حيث كان هناك بائع فحم نباتي، كان يعد الفحم النباتي في عمق الغابة ويحزمه ويحمله على رأسه إلى كيكويت، وفي 6 يناير 1995م، شعر الرجل بأنه مريض، ووقع على الأرض مرتين وهو في طريقه من الغابة إلى البيت، وعندما وصل إلى بيته أخبرهم بأنه مصاب بصداع وحمى، وفي غضون الأيام القليلة التالية تدهورت حالته، وفي 12 يناير حملته عائلته إلى مستشفى كيكويت العام، وهناك ازدادت حالته سوءا وبدأ يتقيأ، وكان الدم يتدفق منه بشكل يتعذر ضبطه من أنفه وأذنيه، ثم توفي في 15 من الشهر نفسه، وسرعان ما أصيب آخرون من عائلته، ممن لمسوا جسده بذات المرض، وبحلول شهر مارس مات اثنا عشر فردا من أقربائه اللصقاء، وفي أواسط شهر أبريل بدأت هيئة العاملين في المستشفى وآخرون يمرضون ويموتون مثل الرجل وعائلته، وبسرعة كبيرة انتشر المرض إلى بلدتين أخريين في المنطقة، وتوجه أحد العلماء إلى هناك وقام بجمع عينات من دم المرضى وأرسلها إلى مراكز مكافحة الأمراض في أتلانتا الأمريكية، ووجد أن المرض هو «الإيبولا». وبعدها بدأ هذا الفيروس في حصد أرواح مئات الآلاف من البشر، دون أن يتمكن العالم من القضاء عليه. ولطالما كانت الفيروسات متقدمة في حربها الشرسة مع البشر بخطوة سابقة دائما؛ للقدرة الفائقة التي تملكها الفيروسات على التطور السريع وتحوير مستقبلاتها الحيوية مع خلايا جسم الإنسان، كل ما اكتشف البشر مضادا حيويا يحاول مقاومتها، حيث تبدأ بالتغير والتحور إلى شكل جديد متطور لا يجدي معه المضاد المصنع لمقاومته، وتبدأ رحلة بحث جديدة عن مضاد يقاومه، وما أن يتم التوصل إليه حتى يتحور ويطور أساليب مقاومته وهجومه على جسم الإنسان، وهكذا. وقد أثبت علماء الفيروسات أن من أبرز طرق انتقال الفيروسات بين البشر، هو الانتقال عن طريق الصدفة (السفر)، أي أن ينقله شخص حامل له أو حيوان مصاب به من بلد إلى بلد آخر، كما حصل في حالة المصاب بفيروس إيبولا الذي نقله المواطن الضحية من سيراليون إلى جدة. وهذه الطريقة الشائعة في انتقال الفيروسات تعد السبب الرئيس في انتشارها، خاصة عندما تكون في فترة الحضانة، قبل ظهور الأعراض الواضحة على المصاب وتشكل الخطر الأكبر؛ حيث يمكن أن ينتقل الفيروس إلى معظم دول العالم بذات الطريقة دون أن يمنعه أحد؛ لأنه لا تظهر الأعراض خلال فترة الحضانة والتي قد تصل إلى 21 يوما من بدء الإصابة. وهنا، لا بد من التأكيد على أنه يجب توعية الناس بمثل هذه المعلومة؛ ليستوعب الجميع أنه لا يمكن توجيه اللوم لوزارة بعينها على أنها تسببت في انتشار فيروس ما، الإيبولا أو غيره، الأمر الذي يحتم على وزارة الصحة والمنافذ الحدودية أن لا تخشى الإفصاح عن أي حالة اشتباه فيروسي بمنتهى الشفافية؛ لأن ذلك في صالحها وليس ضدها. ومما لا شك فيه أن الشفافية في الإفصاح عن الإصابات الفيروسية أو حالات الاشتباه من أهم طرق الوقاية ومكافحة الانتشار الفيروسي، ليبدأ المواطنون والمقيمون في البلاد باتباع الإجراءات الوقائية اللازمة، إضافة إلى تطوير وسائل الفحص على المنافذ الجوية والبرية والبحرية، وتطوير مختبرات وزارة الصحة؛ لئلا تضطر إلى إرسال العينات للخارج كما حدث في حالة إيبولا وقبله كورونا وقبلهما انفلونزا الخنازير والطيور وحمى الوادي المتصدع، وتبدأ الفيروسات في حصد الأرواح، فيما تساعدها الطمأنة غير المبررة وعدم الشفافية على ممارسة هذا الفتك دون أن يتنبه الناس لها، وهنا مكمن الخطر الأكبر.