لندن، وليست القاهرة أو أم درمان هي التي استضافت يوم أمس الثلاثاء قمة حقوق الفتيات التي تنظمها بالتعاون مع (اليونسيف)، وتحشد لها كل الجهود المحلية والدولية لإنهاء عادة ختان الإناث وزواج الأطفال المبكر والزواج القسري. ليس لدي بطبيعة الحال اعتراض على هذه الاستضافة ولا أعرف من حضور هذه القمة شخصا واحدا، لكنني دائم التفكر في (مقاييس) هذا الغرب الذي يغلق عينا على قتل الأطفال أو موتهم من الجوع والبرد في كل مكان، ثم يفتح عيونا واسعة على قضايا محصورة في تجمعات سكانية محدودة هنا أو هناك. من الجيد، بل من المطلوب أن تتبنى قضايا إنسانية ظالمة مثل: ختان الفتيات، وإجبار البنات على الزواج المبكر أو القسري، لكن من الأجود ألا تكون قضاياك انتقائية و(سياسية) بالدرجة الأولى. ومثلما تحشد 700 شخص من كل أنحاء العالم ليفتشوا خلف جدران العادات المتخلفة، والضارة أحيانا، لابد أن تحشد أضعافهم ليناقشوا هذا القتل والترويع المجاني لملايين الأطفال العزل والمشردين الذين يقعون تحت طائلة نيران المغتصبين والمحتلين والطائفيين والمتطرفين. ومثلما تبذل ملايين الدولارات لتجذب باحثي حقوق الإنسان ابذل في الوقت ذاته نصف هذه الملايين لتحشد لإنصاف العزل والعجائز والأطفال الذين تحرقهم آلات النار أمام أعيننا في التلفزيون. لم يعد الناس يأكلون من هذا (النفاق) الإنساني الغربي الذي يكيل بألف مكيال وليس بمكيالين فقط، إذ كيف يمكن أن تقبل عقول الناس أن السادة الحضور في مؤتمر (الختان) اجتمعوا لإنسانية وحقوق (المختنات)، من غير أن توجد لدى المضيف والضيوف أدنى نية لبحث آلة القتل والتدمير التي تسحق جماجم الأطفال على بعد مرمى حجر من بيوت المختنات. ليس العالم العربي فقط هو الذي فقد عقله وقلبه في خضم حفلات السحق والمقابر وحصد الأبرياء، بل إن هذا العالم يخترع حفلات أخرى على موائد هذه المقابر. وفيه من يصدق أن قلب وزارة الخارجية البريطانية يهتز لكل مختنة، حيث لا يمكن أن ينام القوم قبل أن يطمئنوا (إنسانيا!!) على أن أي ظلم من هذا القبيل لم يقع على أية فتاة. أما القتل والتدمير والسحق والسحل فأمر آخر، ربما يستحق قمة أخرى، لكن ليس الآن. الوقت مبكر للتفكير في الحفاظ على الأرواح والأنفس والأطفال.!!!