تُختن الفتاة في اليمن، قبل مرور شهر على ميلادها. لن تحتفظ ذاكرتها بتفاصيل لحظات ختانها الأليمة، غير أن جسدها سيظل شاهداً على الجريمة حتى آخر يوم في حياتها. تعتبر ساكنات السواحل اليمنية، الأقل فرصاً في النجاة. وتسجل المدن الساحلية كالحديدة وحضرموت والمهرة وعدن وتعز، المعدلات الأعلى للفتيات اللواتي أُخضعن لعمليات الختان، غير أن ذلك لا يعني أن قاطنات الأرياف أو عواصم المحافظات في مأمن من مثل هذه الممارسات. الأمر يرتبط ارتباطاً مباشراً بالعادات والتقاليد، ولا يمت إلى الدين في شيء. ويتم التعامل معه كشيء لا بد منه، وفقاً للاعتقاد المجتمعي السائد بأن الفتاة التي تُختن تكون «أكثر هدوءاً»، و»يرغب فيها الزوج أكثر»، وأن الختان يكفل لها «الحماية من الانحراف». في اليمن أكثر من 130 قانوناً في مختلف الشؤون، يُعنى جلّها بقضايا المرأة، غير أن أياً منها لا يُخصص موادّ أو فقرات تجرّم الختان، أو تلحظه كظاهرة تعاني منها الفتيات والنساء. وحده مشروع قانون الأمومة المأمونة والمعد من لجنة الصحة والسكان التابعة لوزارة الصحة، ينص في مادته الثالثة على أنه «يحظّر أي نوع من تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى ويحظّر على الأفراد والمنشآت الصحية والعاملين بها القيام بذلك». غير أن مشروع القانون المتضمن 34 مادة، لا يزال في مجلس النواب، من دون إقراره، منذ أكثر من أربعة أعوام، رازحاً تحت العديد من الاعتراضات على صوغ مواده وبخاصة المتعلقة بختان الإناث وتحديد سن «آمن» للزواج ب 18 سنة. وشهدت المادتان كما غيرهما من المواد، جدلاً كبيراً تحت قبة البرلمان، لجهة صوغهما، ويقول الدكتور عبدالباري دُغيش عضو لجنة الصحة والسكان في البرلمان اليمني: «وزارة الصحة تعمل حالياً لإعادة صوغ المواد، مستفيدة من ورش العمل والمؤتمرات لاستيعاب القضايا المتعلقة بالأمومة المأمونة». ويضيف: «من أهم الأسباب التي أخرت إقرار القانون هو ضعف المناصرة التي حظي بها، فالمناصرة وتشكيل جماعات الضغط كانا من الثغرات في موضوع إقرار مشروع القانون»، آملاً من المنظمات المهتمة بحقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان عموماً ب «تجاوز مثل هذه الثغرات، في المرحلة المقبلة». ويؤكد دُغيش ضرورة العمل على موقف المعارضين، معتبراً «عدم القدرة على تحويلهم إلى مناصرين، لا تعني اليأس، بل يجب العمل لتحويلهم إلى حياديين». ويرى أن تحقيق الحياد في الموقف يتطلب «مناصرة قوية تعمل على إقرار مشروع القانون قائمة على إيجاد الرعاية الصحية الجيدة للأم والحماية من وفيات الأمهات والأطفال». وشهدت الأعوام الخمسة الأخيرة نشاطات لمنظمات محلية في اليمن بالتعاون مع أخرى دولية تهدف إلى توعية الناس بأخطار ختان الإناث، إلاّ أن محدودية هذه النشاطات وارتباطها غالباً باليوم العالمي لمكافحة ختان الإناث (السادس من شباط - فبراير)، واقتصارها على محافظات محددة، تحدّ من فعاليتها أو نجاحها. وغالباً ما تتزامن مثل هذه النشاطات مع إصدار دراسات وإحصاءات، خلُصت بمعظمها إلى أن نسبة اليمنيات اللواتي تعرضن لعمليات ختان تتراوح بين 25 و30 في المئة، وأن النسب الأعلى لهذه العملية تتركز في المدن الساحلية، وتتصدرها محافظة الحديدة وتبلغ نسبة «المختونات» من نسائها 97 في المئة. وحلّت محافظة حضرموت بالدرجة الثانية بنسبة 96.6 في المئة وفق دراسة أعدّتها منظمة أوكسفام عام 2009، ثم محافظة المهرة بنسبة 96 في المئة ومحافظة عدن بنسبة 82 في المئة. وأظهرت الدراسة عينها أن 68 في المئة من الفتيات يتعرّضن للختان على يد المرأة المتخصصة بالتوليد (القابلة)، لكن في معظم الأرياف اليمنية تقوم بالختان إحدى نساء الأسرة كالأم مثلاً أو العمة أو الخالة أو الجدة، وتُقدّر هذه النسبة ب11 في المئة، وتعطي نسبة 5 في المئة ل «حلاقين» رجال يقومون بختان الإناث رغم أن المجتمع يلجأ إلى الختان ل «حماية الشرف». وتؤكد رئيسة فرع الأمانة لجمعية القابلات القانونيات في اليمن الدكتورة سميرة طاهر أن القابلات «ملتزمات قرار وزارة الصحة الصادر عام 2001 والخاص بحظر ختان الإناث من العاملين والعاملات في القطاع الصحي، والمنشآت الصحية»، لكنها لا تستبعد أن تقوم نساء العائلة بهذه العمليات داخل البيوت. وتضيف: «ندرِّب القابلات بصورة مستمرة، بما يخص القضايا الصحية ليقدمنّ أفضل الممارسات في الخدمات الصحية، وليتمكنّ من توعية المجتمعات المحلية بمثل هذه القضايا، وبخاصة اللواتي يعملن في المناطق الساحلية، حيث تكثر مثل هذه الممارسات المضرة». ويستخدم الموسى والمشرط لإتمام «العملية»، ويتم تعقيم هذه الأدوات بالنار أو الديتول، من دون أن يشكل ذلك أي أمان، ما يعرض كثيرات من الطفلات للوفاة جراء نزيف شديد. ويُصار إلى وضع الملح أو البيض على موضع الختان، وفق نوعه إذ يمكن أن يكون ختاناً كلياً أو جزئياً، وقطعة قماش دافئة يتم الضغط عليها مراراً على طوال الأربعين يوماً الأولى من الختان. ويُعتقد أن الملح يستخدم كمطهر لقتل البكتيريا، فيما البيض لتخفيف الألم والمساعدة في التئام الجروح بسرعة. وغالباً ما يرافق عملية الختان احتفاء بالمناسبة عبر إقامة مأدبة غداء للأهل والجيران من النساء، وتكون من أجرت عملية الختان «ضيفة الشرف» فيها.