ما الذي تشكله غزة من خطر على إسرائيل، لتصب عليها إسرائيل هذه الكميات والأنواع من الذخيرة والصواريخ والقذائف والقنابل وأنواع الأسلحة والدمار والأسلحة المحرم بعضها في حروب شبه مستمرة على مساحة تقدر ب 360 كم مربع، بطول 41 كم وعرض يتراوح بين 5 و 15 كم وسكان عددهم 1,8 مليون نسمة؟ لماذا تنتظم إسرائيل في شن حروبها ضد الفلسطينيين في غزة بعد كل سنة أو سنتين أو ثلاث، إلى درجة اختلاق الذريعة لشن تلك الحروب ضد غزة حين يحل موعد أخذ الدواء الإسرائيلي؟ هل هناك مكاسب يحققها الجيش الإسرائيلي بعد كل حرب من تلك الحروب شبه المستمرة ضد الفلسطينيين؟ هل يمكن أن يكون قتل المدنيين وتدمير المنازل على أهلها هدفا استراتيجيا يفخر بها أكبر جيش في المنطقة وأكثرها تسليحا وتحديثا وتدريبا؟ وهل سبق أن حققت أي من حروب إسرائيل على الشعب الفلسطيني وغزة تحديدا أهدافها المعلنة؟ لماذا أنفقت إسرائيل مليارات الدولارات على القبة الحديدية، ولم تحقق أمنها، فانهالت صواريخ المقاومة الفلسطينية على تل أبيب والقدس وحيفا ويافا وتوقفت المدارس وكافة الأعمال والمطارات لأول مرة منذ حرب 1973؟ وكيف نجحت المقاومة باختراق قاعدة زيكيم المحصنة من البحر وهي من كبريات القواعد العسكرية الإسرائيلية، فضلا عن التكتم والتعتيم الإسرائيلي عن الخسائر البشرية والمادية التي تلحقها صواريخ المقاومة بالإسرائيليين؟. فلماذا لم يجلب قتل المدنيين وتدمير منازلهم على رؤوسهم الأمن لإسرائيل ويهدئ روعهم؟ ولماذا لم تحقق «الجرف الصامد أو الواقي»، وقبلها «أمطار الصيف» و «سحب الخريف» و «الشتاء الحار» و «الرصاص المسكوب» و «الصدى الراجع» و «ركن الدفاع» لماذا لم تجلب الأمن لإسرائيل هذه الحروب الإسرائيلية؟ في كل مرة تبدأ إسرائيل عدوانها، يبدأ النقاش حول قائمة الأهداف المعلنة وغير المعلنة من تلك الحرب، فيذهب البعض إلى أن الهدف هو تصفية قيادات المقاومة الفلسطينية، فيما يذهب البعض بالتحليل إلى أن الهدف هو خلق انشقاق في الصف الفلسطيني وشرخ في الحكومة الفلسطينية الحالية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بغية إعادة الانقسامات السابقة بين الضفة والقطاع، فيما يرى فريق آخر أن الهدف هو شل القدرة الصاروخية ونزع البنية التحتية التسليحية للمقاومة الفلسطينية، وهذا كله جائز لو تحقق. فمن المعروف أن من يبدأ الحرب هو من يملك زمام المبادرة فهو الأكثر جاهزية والأكثر استعدادا مقارنة بالطرف المعتدى عليه، والذي تقع عليه الحرب، ما عدا الحروب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، يخرج منها الإسرائيلي فقط بقتل المدنيين وتدمير المنازل سواء كانت غارات خاطفة أو حربا موسعة أو اغتيالات، أو اجتياحات حدودية برية. فعلى النقيض من إنجازات الجيش الإسرائيلي، في كل حرب تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، يسجل الفلسطينيون أرقاما جديدة في استيعابهم للحرب النفسية، وفي مجال اكتسابهم خبرة تعلموها مما سبق من حروب، حيث طوروا أسلحتهم وأصبحوا أكثر حرفية في إطلاق الصواريخ وتحديد الأهداف والوصول لأهداف أبعد وأكثر حيوية. فضلا عن اللحمة الفلسطينية التي تجلت أثناء هذه الحرب، حيث الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع أكثر لحمة والفصائل الفلسطينية أكثر نضجا سياسيا وتناغما وإتقانا للدبلوماسية بين الميدان والعلاقات الدولية رغم الظروف المحيطة بالفلسطينيين، والإمكانات الهائلة لدى الإسرائيليين. أكبر معضلة تواجهها إسرائيل في احتلالها لفلسطين هي غزة. فرئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، تمنى لو يستيقظ ذات صباح ليجد غزة قد ابتلعها البحر، بينما اقترح بن غوريون مؤسس إسرائيل نقل الإشراف على غزة من مصر للأردن، أما أرييل شارون فقد اعترف بفشل مشاريع الاستيطان في غزة وتعذر أن يكون يكون المستوطنون أغلبية في غزة، فآثر الانسحاب من طرف واحد، أما ليبرمان العنصري وزير الخارجية الحالي، فقد طالب بغضب بإلقاء قنبلة نووية على غزة. إن قتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير منازلهم فوق رؤوسهم بهذه الهمجية، يكشف أولا فقر بنك الأهداف الإسرائيلي، وثانيا مستوى أخلاقيات هذا الكيان العنصري، وثالثا يكشف حجم الرعب والخوف الذي يتملك نفوس الإسرائيليين وجيشهم. ما أجبنكم.. وأنتم تشيدون مجدكم من جماجم الأبرياء وتنفخون صيتكم من صراخ الثكالى والمكلومين لهول مجازركم في صناعة الإرهاب وزراعة الرعب في قطاع غزة. ما أجبنكم وأنتم تصبون جهنم أسلحتكم على شعب تحت الاحتلال وتحت الحصار وتحت خط الفقر، يمنع عنه كل شيء إلا بعض الهواء ومفاتيح أبوابها تحت ركام المنازل ! الفلسطينيون شعب جنت عليه الجغرافيا وتآمر عليه التاريخ والمستعمر البريطاني وجارت عليه القوى العظمى وتناساه ذوو القربى؟ شعب يقبع في زنزانة جدرانها الثلاثة حصار ظالم، وإحتلال عنصري، وفقر مدقع. وهذا ما يرفع لدي درجة الشك بأن ما يجري في غزة من صناعة الإرهاب الإسرائيلي وزراعة الرعب بكافة أشكاله وعبر سلسلة الحروب السابقة، إنما هي حرب نفسية لتدمير معنويات الشعب الفلسطيني ونفسيته بطريقة ممنهجة وصولا إلى نقطة الصفر معنويا بالتزامن والتوازي مع سياسة التجويع والتضييق في كل سبل العيش الكريم، ودفع الفلسطينيين في نهاية المطاف للقبول بالتهجير وسياسة الترانسفير إلى الوطن البديل. هذا الوطن البديل أظن أنه الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» تم تصنيعها واقتطاعها من سورياوالعراق لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين حسب «المخرج» والذي تحدثت عنه في مقالين سابقين. إن أخطر ما تواجهه البشرية هو أن يجتمع الخوف الشديد والطموح أو الطمع المفرط في كيان واحد.