كلما تحدث عملية إرهابية في بلادنا تكثر الكتابات عن موضوعات التطرف والإرهاب والغلو، ثم يجر ذلك الحديث أحاديث عن القاعدة وجرائمها، وفي هذه الأيام بدأ الحديث عن داعش التي أصبحت (دولة الخلافة)، ونوعية الإرهاب الذي قد ترتكبه هنا أو هناك!! وفي الوقت نفسه قد يتوسع البعض فيتحدث عن المناهج الدراسية والمناخات التربوية التي تفرخ عقولا مهيأة لارتكاب جرائم إرهابية، إلى غير ذلك من الموضوعات ذات الصلة بالارهاب، ولكن ذلك كله كما نرى لم يقض على الإرهاب، بل إنه تمدد أكثر وأكثر، وهذا موضع الخطورة في مسألة الإرهاب ومرتكبيه. حادثة شرورة التي وقعت في رمضان واستشهد فيها رجال أمن كانوا مرابطين لحماية حدودنا وبلادنا كانت حدثا مأساويا بشعا، ولا أقول هنا إنها كشفت الوجه الحقيقي للقاعدة، فهذا الوجه كان مكشوفا منذ سنوات، فهم يكفرون قطاعات عريضة من الناس، وفي فقههم أن قتلهم حلال، ولهم في ذلك كلام طويل وتبريرات واهية، ولكن من المهم أن تجد هذه التبريرات من يناقشها ويرد عليها وبوضوح شديد؛ لأن مجموعة من الشباب يتعرض لضغوط فكرية شديدة لإقناعه بفكر القاعدة، واليوم دخل على خط القاعدة ما هو أخطر منه وهو وجود دولة تدعي أنها (دولة الإسلام)، وأنها مسؤولة عن المسلمين، وأن مبايعتها واجب شرعي ومن لم يفعل فهو كافر حلال الدم!! السخرية من هذه الدولة لا تكفي وحدها، فهناك من سيصفق لها، وهناك من قد يلتحق بها ويبايع بغداديها، ولهذا يجب التفكير في هذه الدولة بطريقة مغايرة على الأقل لأن من بين شعبها بعض أبناء هذه البلاد. الخوارج في تاريخنا لم تقم لهم دولة، وقد روى وهب بن منبه في سير أعلام النبلاء قال: (إني قد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه، ولو مكن الله لهم لفسدت الأرض وقطعت السبل والحج ولعاد أمر الإسلام جاهلية، وإذا لقام جماعة كل منهم يدعو إلى نفسه بالخلافة مع كل واحد منهم عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله لا يدري مع من يكون)، فالخوف ليس من دولة دعا إليها الخوارج، ولكن من الجرائم التي قد ترتكب في بلادنا أو في غيرها، أو من بعض الشباب الذين قد تخدعهم شعارات الدولة المزعومة، خصوصا أنها بدأت تتلاعب على بعض عواطف الشباب، والغلاة أيضا لم يكتب لأفكارهم العيش طويلا؛ لأنها تتنافى مع الفطرة البشرية فانقرضت أفكارهم وبقوا أحاديث يذكرها التاريخ أو يتحدث بها الناس للتندر!! ولهذا فنحن أيضا لا نخشى الغلاة، ولكن لا يمكننا فقط الاكتفاء بالتندر بهم أو الكتابة عن جرائمهم، ففي أوساطهم بعض أبنائنا، ونخشى من أن خطاب الغلو يقود آخرين إليهم فتكبر همومنا وغمومنا معهم، ولهذا لا بد من التفكير بنوع من الخطاب يقضي على غلوهم أو يخفف منه على أقل تقدير. حادثة شرورة أدانها المجتمع السعودي، كما أدان من قبلها كل العمليات الإجرامية التي طالت مجتمعنا قبلها، والإدانة أيضا جاءت من كثير من الدول والجمعيات في العالم، وكل هذا يؤكد أن الإرهاب ترفضه الفطرة البشرية السوية، والذين أدانوا ذكروا بعض المبررات، فمنهم من أشار إلى ضعف الحصانة الفكرية عند الشباب، ومنهم من حمل الخطاب الديني المشبوه السبب في ذلك، ومنهم من قال: إن السبب هو أن الثقافة المجتمعية لا ترتبط بالدين ولا بثقافة المجتمع، وهناك آخرون حملوا بعض أجهزة الدولة السبب في نمو التطرف؛ لأنها لم تقم بواجبها كاملا كما قالوا. دعني أقول: إن كل ما ذكر صحيح، ولكنه لم يقل للمرة الأولى، فقد تردد كثيرا وربما منذ أول حادثة إرهابية في الرياض، ومع هذا فما زال هناك إرهاب يرتكب، صحيح أنه خف كثيرا لكنه لم ينتهِ، والذي يجب الحرص على دراسة أسبابه ولكن بكثير من الوضوح والشفافية. أقترح أن تكون هناك دراسة عن الموضوع تستهدف فئة الشباب في الجامعات (المرحلة الأولى)، ولكن يجب أن تتم هذه الدراسة بطريقة مغايرة عن المعهود في الدراسات الأخرى!! فالشاب لا يمكن أن يتحدث عن مشاعره السلبية تجاه مجتمعه أو بلده لكل من يسأله، كما لا يمكنه التحدث عن مشروعاته المستقبلية (السيئة) تجاه بلده، ولهذا لا بد من وضع خطط قابلة للتنفيذ لكي تحقق الأهداف المرجوة منها، وقد جربت هذا النوع من المحادثات مع طلابي فوجدت بعد تجارب طويلة أنه هو الأنسب، ولكن هذا الأسلوب بحاجة إلى مساندة من صانع القرار، وأعتقد أن الوجهة التالية يجب أن تتجه للفتيات الجامعيات، ففيهن من تحمل ذات الأفكار المعتمدة على الغلو والتطرف. أعرف أن هناك من قد يكون متطرفا من المدرسين ومن في حكمهم، ولكنهم الأقل قطعا بسبب أعمارهم، ولكن لا بد من خطاب لهم يتفق مع مكانتهم وأعمارهم، وهكذا لا بد من وسائل أخرى للجمهور، وفوق هذا كله لا بد من التنبيه إلى أن مصادمة المجتمع في ثوابته من أهم الوسائل التي يستغلها الغلاة في تأليب الشباب ودفعهم إلى الغلو والتطرف. من المهم أن يتكاتف المجتمع كله في محاربة الإرهاب ومرتكبيه، والتكاتف يتحقق بالقول أو الفعل أو النصيحة أو بما يقدر عليه، وبهذا نضع أيدينا على الطريق الصحيح في محاربة الإرهاب.