بيان هيئة كبار العلماء حول تجريم تمويل الإرهاب وجد صدى واسعا في جميع أنحاء العالم وتفاعلا عظيما بالداخل . ولرصد المزيد من ردود الأفعال تواصل البلاد لقاءاتها مع العلماء والمثفين وأرباب الفكر حول هذا الموضوع المهم. في مكةالمكرمة التقينا بعدد من المفكرين والمثقفين للحديث عن الارهاب و التطرف والتشدد والغلو. للإفساد في الأرض صور كثيرة وألوان عديدة: فضيلة الشيخ الدكتورأسامة عبدالله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام قال إن الإرهاب خطر على الأمة والبيان الذى صدر عن هيئة كبار العلماء فى المملكة دعم لموقف ولاة الأمر فى مكافحة الإرهاب ولاشك أن للإفساد في الأرض صورا كثيرة وألواناً عديدة لا تكاد تقع تحت الحصر، ألا وأن أعظم هذا الإفساد الشرك بالله عز وجل بصرف حقه سبحانه إلى غيره، وهو ظلم عظيم كما قال سبحانه في وصية لقمان لإبنه"يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ "وإنه لظلم عظيم يظلم به المرء نفسه أشد الظلم، ويغبنها أعظم الغبن، إذ يسوي الخالق القادر الرازق المدبر المحيي المميت، المتفرد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته بالمخلوق العاجز الفاني، ولذا كان مَثل من أشرك بالله كمثل من هوى من القمة السامقة العلية إلى أسفل دركات الحضيض، كما قال سبحانه"وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ "وقال الخياط :فأي فساد في الأرض أعظم من فساد من يدعو مع الله أحداً لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً، ولا حياةً ولا نشوراً.وأضاف:من ألوان الفساد في الأرض وصوره أيضاً التردي في وهدة الخطايا، والتلوث بأرجاسها في مختلف ألوانها، ومن أعظمها تلك الكبائر الموبقات المهلكات التي توعد الله من اقترف منها شيئاً بأليم عقابه، وعظيم نكاله، وبينها رسول الله في الصحيح الثابت من سنته، ومنها السحر، وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والزنا، ومعاقرة الخمر، وتعاطي المخدرات، والسرقة، وقطيعة الرحم، وإخافة السبيل وغير ذلك من الموبقات التي يوبق بها المرء نفسه ، فتنتقص من إيمانه، ويغدو باجتراحها مطيّة طيّعة للشيطان يسوقها إلى حيث شاء من سبل الشرور ومسالك الغواية ويطمس بصره عن البينات، ويُعمي بصيرته عن الهدى، ويزيّن له عمله، ويمد له في غيِّه، ويحسِّن له عوجه، حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن، فيحسب أن ما هو عليه من الإفساد في الأرض هو الصلاح حقاً بلا ريب، شأن أهل النفاق الذين أخبر سبحانه عن حالهم بقوله"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12].وإن من أظهر صور الفساد في الأرض ما يفعله اليهود اليوم في الأرض المقدسة من عدوان سافرٍ، وظلم عظيم، وبغي مفضع تبدى جلياً في هذا القتل والهدم والتشريد والحصار الذي لم يستثن شيخاً كبيراً، ولا شاباً نضيراً، ولا طفلاً صغيراً، ولا غرو فإنها حلقة من سلسلة من حلقات إفسادهم الأرض وبغيهم فيها بغير الحق وعلوهم فيها علوًا كبيرًا.وإذا كان الفساد في الأرض إنما يقع فيها بما كسبت أيدي الناس، وبما اجترحوه من سوء؛ كما قال سبحانه"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ :وقال فضيلته فإن مما لا يرتاب فيه أولو الألباب أن علاج ذلك ورفعه إنما يكون أيضاً بما تكسبه أيدي الناس؛ لأنه سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا يتم ذلك إلا إذا ثاب الخلق إلى ربهم ولاذوا به، والتمسوا رضوانه فعبدوه حق العبادة، وأسلموا وجوههم له، وصرفوا حقه له وحده، وتحاكموا إلى شرعه، رضوا به، وسلموا له تسليماً لا يتطرق إليه شك، ولا يعكر صفوه حرج، ولا يكدره تردد ولا تذبذب، ثم أخذوا بعد ذاك بما يسره سبحانه من أسباب القوة وبواعث النماء وعوامل الرخاء التي بثها في مناكب الأرض، ونشرها في أرجائها وسخرها على نحو مقدر متسق موزون، لا يطغى بعضه على بعض، ولا يلغي بعضه بعضاً . باسلوم : التطرف هو التشدد والغلو وفي ذات السياق قال الدكتورمجدى محمد باسلوم المتخصص فى الفقه الإسلامى:قبل الكلام عن مظاهر التطرف لابد أن نوضح للقارئ معنى التطرف فالتطرف هو التشدد والغلو الذي يفضي بالإنسان من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر إلى أن يسلك مسلك الخوارج ، ونحب أن نذكر بأن الإسلام دين الوسطية ، ومنهجه اليسر والاعتدال ومراعاة المصالح والمقاصد ، وإن من أخطر المزالق التي ينتهجها بعض المتشددين المبالغة في سد باب الذرائع حتى سدوا ما أمرت به الشريعة وتناسوا أبواب المصلحة الشرعية وجهلوا فقه الواقع ، وشددوا فيما يجب فيه التيسير . إن طبائع بعض الناس تحول الدين عن وجهته إلى وجهتها هي ، فبدل أن تهدي تصد، وبدل أن تسدي تسلب ، وقد نبه القرآن الكريم إلى خطورة نفر من الأحبار والرهبان جعلوا الدين كهانة تفسد بها الفطرة وتصطاد بها المنفعة .ولذلك قال الله سبحانه "إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله "إن الخلاف الفقهي لايوهي بين المؤمنين أخوة ولايحدث وقيعة ، وهؤلاء يجعلون من الحبّة قبّة .. ومن الخلاف الفرعي أزْمة .. وأناس لهم نيات صالحة ، ورغبة حقة في مرضاة الله، وعيبهم -إن خلو من العلل والعقد - ضحال المعرفة وقصور الفقه ، ولو اتسعت مداركهم لاستفاد الإسلام من حماسهم وتفانيهم . الخياط : جهود كبيرة للمملكة في محاربة الغلو والإرهاب وقال الدكتورسامي أحمدالخياط الباحث بهيئة الأمربالمعروف والنهى عن المنكربمنطقة مكةالمكرمة لاشك أن المملكة العربية السعودية تبذل جهوداً كبيرة في محاربة الغلو والإرهاب والتطرف الفكري المنحرف من منطلق تمسكها بالشريعة الإسلامية السمحة، وحملها رسالة الإسلام والدعوة الإسلامية بوسطية واعتدال على منهج السلف الصالح، ومن منطلق مسؤولياتها الجسيمة تجاه المسلمين، والإنسانية جمعاء على الصعيد العربي، والإسلامي، والدولي، ومن منطلق سعيها في ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتصحيح المفاهيم الخطأ عن الدين الإسلامي وأحكامه السمحة، وتبرئة دين الإسلام من الأعمال الإرهابية المشينة، ذوداً عن حياض الإسلام، وأداءً للأمانة التي تحملتها، ونصحاً للأمة والناس أجمعين، فالغلو والفكر المتطرف قديم، والإرهاب في عصرنا الحاضر ظاهرة عالمية لا دين له ولا جنسية، ووجدت مظاهره في مختلف الأمم ومنتحلي الأديان قديما وحديثاً، وهذا يدحض محاولة بعض الصحفيين والمستشرقين والمفكرين الغربيين إلصاق تهمة الإرهاب بدين الإسلام. وأضاف الخياط لقد اساء تبني بعض الجماعات والفرق المنتسبة للإسلام فكر الغلو والتطرف، ومن ثم ممارستهم لأعمال إرهابية إجرامية باسم الإسلام لهذا الدين العظيم، وأظهروه بنقيض حقائقه الصحيحة، وأصوله المتينة، ومبادئه العظيمة، واستغل المغرضون مثل تلك الأعمال، فوجهوا سهام الطعن في الإسلام وألصقوه بالإرهاب، وهي مغالطة واضحة، لا يخفى زيفها على المنصفين، وذوي الحجا النابهين، كما لا يخفى ما ينطوي عليه اتهام الإسلام وأهله بالإرهاب، من أغراض عدائية، وعقائدية، وسياسية، واستعمارية، وفكرية وثقافية مضادة للإسلام وأهله، على أن هناك من يعمل في الخفاء ويستغل انحراف فكر جماعات من المسلمين في فهم عقيدة الإسلام وأحكامه، فيذكي نار هذا المنهج المنحرف ويدعم أصحابه، ليشقوا عصا الطاعة، ويفارقوا الجماعة، ويصاولوا الحكام، ويعملوا ضد دينهم وحكوماتهم وشعوبهم وأوطانهم، وبسبب هذا حاول ذووا الأغراض المشينة إلصاق تهمة الإرهاب بدين الإسلام زوراً وافتراء ولله الأمر من قبل ومن بعد. لقد اسهمت المملكة العربية السعودية كثيرا في ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال التي يدعو إليها دين الإسلام ومن هذه الجهود عقدها مؤتمراً دوليّاً عن ظاهرة الإرهاب بالرياض عام 2005م شارك فيه كثير من العلماء والمفكرين والباحثين من مختلف دول العالم، وخرج بالعديد من المقترحات والتوصيات التي طالت المجتمع الدولي أجمع، وأناطت المسؤولية في توصيف ظاهرة الإرهاب ودراستها ومعالجتها، بالدرجة الأولى إلى العلماء، والمثقفين، والمفكرين، ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، ومن أبرز مقترحات ذاك المؤتمر ما دعا اليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله -من إنشاء مركز دولي عالمي لمكافحة الإرهاب.ومن جهود المملكة المتواصلة في هذا الصدد المؤتمر المنعقد في الجامعة الإسلامية في الفترة 12- 15/ 4/ 1431ه بعنوان: "الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف"، وقد أحسنت الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عقد مثل هذا المؤتمر في رحابها.وقال الخياط :الحقيقة إن المتابع له يلاحظ الجهود المبذولة في إقامته كبيرة، وجديرة بالتقدير والاشادة، وفي تقديري أن مؤتمراً بهذا الحجم يعالج موضوع " الإرهاب، وفكر التطرف، وتطرف الفكر" يحتاج إلى وقت أكبر لتنفيذ برامجه العلمية والفكرية والثقافية، وترسيخ القيم النبيلة، وبلورة المقترحات السديدة، ووضعها موضع التنفيذ من قبل الوزارات ومختلف الجهات.والملاحظ أن عنوان المؤتمر:"الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف" يمثل قاعدة كبيرة تضم الكثير من المعاني العقدية، والمناهج الفكرية، والاصول والشبهات المتعلقة بمفردات تطرف الفكر، وفكر التطرف، في أبواب العقيدة، والأحكام العملية "كمسائل الأسماء والأحكام، والولاء والبراء، والخروج على الولاة، ومعاملة غير المسلمين وغير ذلك"، فالحاجة ملحة إلى نشر الوعي الشرعي الصحيح في مجتمعاتنا الإسلامية تجاه تلك القضايا لا سيما شريحة الشباب والناشئة، وترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتأصيل الفكر النير، على ضوء منهج السلف الصالح، وإزالة اللبس عن شبه الغلاة والمتطرفين. وها هنا عدد من التساؤلات الملحة والتي لا ينفك ورودها الذهني للمتابع والمهتم بالشأن الإسلامي:ما الذي يدعو شبابنا الناشئ للجنوح نحو التطرف في العقيدة والفكر، وسلوك منهج الغلو في فهم النصوص؟ ما الذي يدفع شباب الإسلام لشق عصا طاعة ولاة الأمور، والخروج عليهم، وفقد الثقة بالعلماء، واسقاطهم؟ وما الذي يسلخهم عن الانتماء لدينهم وشعوبهم وأوطانهم الإسلامية، إلى الانتماء المستميت لجماعات الغلو؟ لماذا يقع الشباب فريسة سهلة للمستدرجين لهم وزرع منهج الغلو في أفئدتهم، وتلويث أدمغتهم بالأفكار المنحرفة وتجنيدهم كالدمى لتنفيذ الأعمال الإرهابية في بلدانهم وضد أهلهم ومجتمعاتهم الإسلامية، والاضرار بمقدرات أوطانهم، واهدار حقوق المسلمين والمستأمنين؟ ما الذي يدعو شباب الإسلام لولوج باب التكفير الخطير، واستباحة الدماء والأموال والأعراض؟ أين عقولهم ورصيدهم الشرعي والثقافي لرفض هذه الأفكار والتوجهات الضالة؟ لمصلحة من يجرجر شباب المسلمين والناشئة لهذا المستنقع المشين؟ ومن المستفيد حقيقة من ذلك؟ ومن يقوم بالتجنيد والتخطيط والتمويل؟.