تعود أفغانستان هذا البلد الذي دمرته الحروب، مجددا إلى المربع صفر بعد الانتخابات الرئاسية الجدلية التي عقدت مؤخرا والتي تمخض عنها بحسب النتائج الأولية تقدم أشرف غني البشتوني على منافسه عبدالله عبدالله الطاجيكي، الذي يعتبر أحد أقطاب تحالف الشمال المناهض لطالبان، والذي رفض النتائج واعتبرها مزورة، مما يثير المخاوف من دخول أفغانستان في مأزق جديد قد يعيد شبح الحرب الأهلية إلى الواجهة. ومن شأن رفض أي من المرشحين القبول بنتائج الانتخابات، أن يدفع البلاد لمواجهة خطيرة ويحدث انقسامات على أساس عرقي بين الطاجيك الذين يشكلون الغالبية في الشمال، معقل أنصار عبدالله، وبين البشتون في الجنوب، ويعيد هذا السيناريو شبح الحرب الأهلية الدامية من 1992 إلى 1996 التي سبقت استيلاء طالبان على السلطة. وجاءت النتائج الأولية للانتخابات في الوقت الذي تقترب فيه البلاد من مرحلة حرجة مع انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي في نهاية العام الحالي بعد أكثر من عشر سنوات من انتشارها لدعم الحكومة الهشة في مواجهة حركة تمرد طالبان التي ما زالت شديدة النشاط. ومن المؤكد، أن أفغانستان ما بعد كرزاي على موعد جديد مع المآزق السياسية، إضافة إلى الأزمات الداخلية التي شهدتها على مر العقود الماضية، فضلا عن استمرارية وجود بؤر الإرهاب المتمثلة في حركة طالبان وتداعيات انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان عام 2014، وهذا يعني تحول كامل المسؤولية الأمنية إلى القيادة الأفغانية، وهو الأمر الذي يمثل تهديدا إضافيا للرئيس الأفغاني الجديد. وتراقب الإدارة الأمريكية نتائج الانتخابات بصمت وبقدر من الحياد، رغم أن الرئيس أوباما اتصل بأشرف غني وخصمه عبدالله الذي أعلن نفسه فائزا في الاقتراع ورفض تقدم غني الناجم -على حد قوله- عن عملية تزوير واسعة، ولوح فيه ب«وقف المساعدة الأمريكية» إذا سجلت أعمال عنف أو تحركات خارج الإطار الدستوري. غني الذي يتطلع إلى أن يكون الرئيس الثاني لأفغانستان بعد كرزاي، سياسي أفغاني وأكاديمي ينحدر من قبيلة بشتونية (مثل كرزاي) وهي قبيلة أحمدزاي كبرى قبائل البشتون، حيث برز على الساحة بعد الإطاحة بحكومة طالبان كونه رجل اقتصاد وشغل في حكومة الرئيس كرزاي الانتقالية منصب وزير المالية. وفي حال فوزه بمنصب الرئاسة، فإنه لأول مرة في تاريخ أفغانستان السياسي ستدخل امرأة لبنانية إلى القصر الجمهوري وهي ظاهرة فريدة وجديدة بالنسبة للأفغان. ومن المتوقع أن يصبح الوضع الأمني في أفغانستان أكثر هشاشة بعد الانسحاب الأمريكي في ظل عدم استراتيجية فاعلة لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي سيعطي دفعة قوىة لقوى الإرهاب المتمثلة في حركة طالبان وتنظيم القاعدة للاستمرار في العمليات الإرهابية، وسيشكل تهديدات خطيرة لأفغانستان وباكستان أيضا، حيث من المتوقع أن تدخل أفغانستان مرحلة جديدة من فقدان الثقة بين الفرقاء السياسيين الأفغان الذين خاضوا حروبا تسببت في تدمير البنى التحتية ونجم عنها مقتل مئات الآلاف.