بعد تسع سنوات من التخبط في أفغانستان، لجأت الدول الغربية المتحالفة، إلى خطة ينقل بمقتضاها حلف شمال الأطلسي المسؤولية الأمنية بأكملها في أفغانستان إلى قوات محلية، وليس ذلك إلا خدعة مثيرة للشكوك، استهدف من ورائها إخراج قواته من حرب يبدو أنها لن تنتهي أبدا، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى صراع أهلي خطير، يهدد بحرب نفوذ وهيمنة، يمكن أن تقود إلى عمليات عسكرية لا تنتهي بين قوى مجاورة مثل الهند وباكستان وإيران. الخطة التي وافق عليها زعماء الحلف في قمتهم في لشبونة، تقضي ببدء انسحاب قواتهم في يونيو المقبل، في عملية من المقرر أن تنتهي بحلول عام 2014، وهي تأتي في أعقاب أكثر الفترات دموية في العام، تكبدت فيها القوات الدولية والمدنيون الأفغان خسائر فادحة في الأرواح أكثر من أي فترة مضت منذ الإطاحة بنظام طالبان في أواخر عام 2001. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أمر في وقت سابق بنشر 30 ألف جندي إضافي في أفغانستان، على أمل تحويل مجرى الحرب مرة أخرى ضد طالبان. ومع هذا، ذكر تقييم أخير للحرب صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية «بنتاجون» أنه على الرغم من زيادة الضغط على طالبان فإن «التمرد أثبت مرونة»، لتقضي القوات الأمريكية في أفغانستان فترة أطول من تلك التي قضتها القوات السوفيتية خلال غزوها للبلاد في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. ويفتح تحديد الموعد النهائي بعام 2014 الباب أمام التأويل، في إشارة إلى احتمال استمرار الاحتلال لنحو أربع سنوات أخرى، ويصر مسؤولو الحلف أنهم يرغبون في تسليم الأفغان مسؤولية صناعة أمن بلدهم، لكن الحلف سيبقى خلال تلك الفترة إلى أن تتهيأ الشرطة المحلية والقوات المسلحة للاضطلاع بالأمر، ولكن ثمة تكهنات بأن الخطوة ترمي إلى الحفاظ على ماء الوجه، واسترضاء الناخبين في الغرب، حيث يتضاءل دعم الحرب. وعلى أي حال، فإن كثيرا من الخبراء يقولون إن الأمر سيستغرق أكثر من مجرد تدريب القوات الأمنية من أجل ضمان السلام، فور انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، فأفغانستان لا تزال في أزمة سياسية في أعقاب انتخابات برلمانية سادتها أعمال تزوير، وعجزت عن تحقيق الوعود التي قطعها الرئيس حامد كرزاي فيما يتعلق بمكافحة الفساد وتطبيق قواعد الحكم الرشيد، وبالتالي فهي ليست حكومة مسؤولة وفعالة بشكل كامل في كابول، الأمر الذي لا يبشر بخير. ودفعت خطة الحلف للانسحاب كرزاي إلى السعي لإيجاد سبل جديدة للحماية، فشكل مجلسا للتفاوض على السلام مع المسلحين، وحمل غصن الزيتون لبعض ممن وصفهم يوما بأنهم «لا يمكن التصالح معهم» مثل كبير قادة طالبان الملا محمد عمر، لكن مبادرة السلام، والتي تحظى بدعم الولاياتالمتحدة وحلفائها، واجهت نكسة كبيرة عندما اتضح أن قائدا طالبانيا بارزا تفاوض معه مسؤولون أفغان ومن الحلف على مدار شهور، مجرد محتال. وليس كرزاي الذي ينتمي إلى قبائل الباشتون كطالبان، هو الوحيد الذي يساوره القلق بشأن مصير أفغانستان بعد عام 2014، ويقال إن أفرادا من جماعات لا تنتمي للباشتون، ساعدت القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة في الإطاحة بحكومة طالبان في كابول أواخر عام 2001، تستعد لمرحلة ما بعد الانسحاب، فغير البشتونيين يشعرون بأن الوقت قد حان لتجميع مخزوناتهم وتجهيز أنفسهم لما يعتقد أنه سيكون حربا دموية طويلة الأمد. ويتردد أن أحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق للرئيس، يجهز جيشا خاصا لحماية عشيرته «بوبالزيا» في ضوء احتمال نشوب حرب أهلية في أعقاب انسحاب قوات التحالف، وفقا لما ذكرته برقية دبلوماسية أمريكية سرية نشرها موقع ويكيليكس الإلكتروني الشهير، ويمكن أن يدفع صراع داخلي عنيف محتمل على السلطة جيران أفغانستان، بما فيهم باكستان وإيران والهند، لدعم الجماعات المتناحرة من أجل ضمان مصالحهم في أفغانستان ما بعد حلف الناتو، مما ينذر حقا بصراع محلي وإقليمي من الصعب احتواؤه، تلعب فيه تجارة المخدرات النشطة دورا مهما في عمليات التمويل .