مثل عقود الضوء يتحلق يوميا حول الحكواتي أعداد كبيرة من الأطفال وهو يرخون السمع لالتقاط تفاصيل الحياة القديمة في حارات جدة، ويتصاعد المشهد ليطال بسطات الكبدة والبليلة والتي تشهد هي الأخرى إلى جانب البيت الحجازي توافد أعداد كبيرة من الزوار. ووسط أهازيج باعة البليلة وقطار الأطفال والفوانيس التي تضيء أزقة المنطقة التاريخية في عروس البحر الأحمر يواصل مهرجان جدة التاريخية أنشطته اليومية الممتدة حتى آخر رمضان من الساعة العاشرة مساء حتى الواحدة ليلا. ورغم حرارة الطقس وارتفاع نسبة الرطوبة فإن المهرجان يستقطب الزوار من المواطنين والمقيمين. «عكاظ» تجولت البارحة في مهرجان في منطقة البلد أمام ميدان البيعة في المنطقة والتي تحفل كل مساء بتفاصيل قصص الحكواتي، المسحراتي، بابا فرحان، عربيات الشربيت، المبتهل، بسطات التمور، بسطات الماكولات الشعبية، باعة البليله والكبدة، فعاليات شبابنا، حكواتي الأطفال، مطعم النخيل، فطور فارس، المصوراتي، مطعم كباب ميرو، نخبة من المصممات السعوديات جلابيات وعبايات سوق أيام زمان، البيت الحجازي. كل هذه السيناريوهات تتواصل في أجواء تراثية تحكي تاريخ جدة قبل 50 سنة تجسيدا لمقولة «ماراحت أيام الطيبيين... رجعناها» وهي أجواء مليئة بالفرح والفعاليات الجميلة. ومن ناحية أخرى، يتواجد يوميا مندوبون وممثلون عن الجهات المشاركة في المهرجان مع تواجد أمني من قبل شرطة جدة والدوريات الأمنية والمرور والدفاع المدني. تقول سامية وهي تتجول في ردهات المهرجان «أبغا أرجع اعيش زي أهل أول.. عيشة بسيطة». ولم تكن سامية إلا واحدة من مئات الشابات والشباب الذين حرصوا على زيارة المهرجان الذي يكتظ بالزوار، مما يعكس لهفة وحب أهالي جدة لتراثهم وماضيهم فوجدوا الدفء في الحياة وهم يعيشون الماضي على أرض الواقع من خلال مشاهد تراثية ومنازل وسيارات الأجداد وطرق وأساليب الحياة التي اتسمت بالبساطة. وفي المقابل، أبدت راوية اندهاشها من روعة المكان والزمان في الماضي لاسيما أنه كان شاهدا قريبا من عصر الآباء، مشيدة بمتعة التسوق ومشاهدة الماضي عن قرب. وتقول عيشة والتي استثمرت موقعا في المهرجان لبيع الماكولات الشعبية أن المهرجان يسجل نجاحا كبيرا، وقالت إنها تبيع المأكولات الحجازية الشهيرة مثل الحلاوة التركية والماسية والحمرية وقهوة اللوز والمخللات بأنواعها وأنواع أخرى منوعة من المأكولات القديمة ذات الطابع الجداوي وهي مأكولات تراثية أوشكت على الاندثار. ويجمع عدد من الزوار على أن المهرجان خطوة مهمة لتذوق عبق تاريخ جدة وحاراتها القديمة مطالبين نقل تلك الفقرات على مواقع الإنترنت والتفاعل الحي معها.